وهذا يتبين بأن يتأمل حاله فى دخوله فى الحس، أهو له من حيث ينغمز أو لا ينغمز أو من جهة شىء آخر. أما أنه لا ينغمز، فهو معنى عدمى، إنما يجب أن يحسه الحس على سبيل تعطله كما يتعطل عند الظلمة، وإبصارنا للظلمة هو أن نكون لا نبصر شيئا. ثم الصلب يشبه أن يكون إدراكنا له باللمس، كالإدراك الوجودى، واللين، كغير الوجودى الذى لا يحس معه بممانعة أصلا. وأما الانغماز الذى فى اللين فهو قبول حركة على هيئة، والحركة مع الهيئة غير محسوسة إلا بواسطة، وقد يحس الانغماز أيضا بالبصر دون اللمس.
وكذلك سرعة الحركة إلى الشكل وبطؤها، فلا يكون ذلك دليلا على أن الصلابة واللين أو الرطوبة أو اليبوسة قد أحسا بالبصر، فإذن ليس ما يلمس هو الانغماز، وعدم الانغماز ولا أيضا الاستعداد، فإن الاستعدادات من حيث هى استعدادات معان تعقل.
وكذلك فإن قوة المصارعى لا يحسها مصارعه، بل يحس هناك صلابة للمقاومة.
وكذلك الزق المنفوخ فيه الهواء ، فإن الهواء الذى فيه لم يصلب بوجه من الوجوه، بل هو فى طبيعته كما كان، لكن الحس يحسه كما يحس الصلب.
وكذلك الرياح فإن الأمر الذى يحس من المقاومة، هو غير الاستعداد الطبيعى الذى فى الشىء الموجود، فإن الهواء لم ينعقد فى طبعه صلبا، وإن انحصر فى الزق، ولا بأن صار ريحا، بل الاستعداد الطبيعى موجود فيه، ولا يحس به.
فإذن المعنى الذى يحس بذاته إن كان لا بد من معنى يحس بذاته هو غير ذلك الاستعداد، وإن كان يقاربه ويكون معه، وغير نفس حركة الانغماز، وغير الانغماز، فأحد هذه عدم، والآخر من باب الحركة لا من باب الكيف، والثالث من جنس الكيفيات التى فى الكميات دون الكيفيات الانفعالية والانفعالات.
فالذى يقع فى هذا الجنس من المعنيين المعتبرين فى الرطوبة واليبوسة هو ما يحس منهما. والذى يقع فى الباب الآخر، أعنى باب القوة واللاقوة هو ما لا يحس منهما؛ وهما متلازمان.وأما الخشونة والملاسة فإنها لم تكن ألبتة من باب الكيف، فكيف تكون كيفيات انفعالية ؟ فإن الخشونة هى اختلاف الأجزاء فى ظاهر الجسم بأن يكون بعضها ناتئا، وبعضها غائرا، وهذا من باب الوضع. والملامسة استواء الأجزاء فى الوضع والخشونة والملوسة من حيث هى هكذا غير محسوسة إلا بواسطة كما تحس المقادير والأشكال والأبعاد، فإن أحست بواسطة صلابة أو لين أو سواد أو غير ذلك فلا تكون من جملة الملوسات التى نحن فى سبيله، فإنها لا تفعل فى الحس تأثيرا من جهة نفس الحال العارضة لأجزائها مطلقا الذى هو الوضع، بل لأمر آخر وهو صلابة أو لين أو حرارة أو بياض أو غير ذلك.
فإن كانت للخشونة والملاسة حال يحس بها بالحقيقة لا بواسطة، فتلك الحال غير حال الأمر العارض لها من أجزائها، وهو الوضع، وتكون تلك الحال كيفية. وأما النقل والخفة فإنهما ليسا الا من باب الكيفية، فإن الذى يظن بهما أنهما من باب الكمية باطل، وكأنا قد فرغنا من ذلك؛ لكنه قد يظن بهما أنهما من باب القوة واللاقوة ، وإنما كان يكون ذلك لو كانت القوى الفعلية تدخل فى ذلك الجنس مثل الحرارة وما أشبهها أيضا، فالنقل والخفة أيضا من هذا الباب، وهما من جملة المحسوسات، ومن جملة ما يحدث فى الأجسام بالانفعالات، فإن الجسم يسخن فيخف، ويبرد فيثقل ، وهو واحد بعينه: فإن البخار ماء خف بالحرارة، وكذلك أجزاء الأرض المتسخنة قد تخف فتصعد متدخنة، وقد يدفن الشىء فى الأرض فيزداد ثقلا من غير أن يزداد قدرا، وقد يجمع أشياء متباينة لجملتها وزن ما، فإذا اجتمعت حدث لها وزن أكثر أو أقل، إذا انفعل بعضها ببعض.
الفصل السادس فصل (و) فى حل باقي الشكوك
وأما التخلخل والتكاثف فقد يدل بعضها على معان: فقد يقال تخلخل ويراد به انفشاش الأجزاء بأن يتخللها جسم أرق منها فتتباعد منها كالصوف المنفوش. ويقال تكاثف لما يقابل ذلك، كما يعرض عند الكير. وقد يقال تخلخل، إذا صار الجسم إلى قوام أقبل للتقطيع والتشكيل من غير انفصال يقع فيه. ويقال تكاثف لمقابله. ويقال تخلخل لقبول المادة حجما أكبر. ويقال تكاثف لقبولها بعينها حجما أصغر.
Página 121