La teología del libro de la curación
الالاهيات من كتاب الشفاء
Géneros
النار ومع ذلك فإنما سخنت من النار. فإنا نجيب ونقول: إن ذلك ليس بسبب أن المسبوكات أسخن، ولكن لمعان ثلاثة، منها ما هو أقرب إلى الظهور؛ أحدهما في المسبوك. والآخر في النار، والثالث في اللامس، وكلها متعاونة متقاربة. أما الذي في المسبوك، فلأنه غليظ فيه تشبث ما ولزوجة وبطء انفصال، فإذا لمس ذهب مع اللامس ولم يمكن أن يفارق إلا في زمان ذي قدر في نفسه بالقياس إلى زمان مفارقة اللامس النار، وإن كان الحس لا يضبط ذلك الإختلاف، لكن العقل والذهن يوجبه. ومن شأن الفاعل الطبيعي أن يفعل في المنفعل في مدة أطول فعلا آكد وأحكم، وأن يفعل الضعيف في مدة اطول ما لا يفعله القوي في مدة قصيرة. وأما الذي في النار، فلأن النار محسوسة إنما هي أجزاء من النار الحقيقية مع أجزاء من الأرض متحركة، واجتماعها على سبيل التجاور لا على سبيل الإتصال، بل هي في أنفسها متفرقة، ويتخللها الهواء تخللا على سبيل التجدد، فيكسر ما بداخله فيها من صرافة حرة، لأنه أبرد منها، ولأنه ليس ينفعل في تلك العجلة انفعالا لا يصير به نارا محضا، ومع ذلك فإنها سريعة الحركة في نفسها لا يكاد يبقى جزء منها مماسا لجزء من اليد زمانا يؤثر فيه تأثيرا محسوسا بل يتجدد، فما لم تجتمع تأثيرات غير محسوسة كثيرة لا يؤدي إلى قدر محسوس وذلك في مدة لها قدر. وأما المسبوك، فإن جوهره مجتمع متحد ثابت قائم بالإتصال؛ وإذا كان كذلك كان ما يلاقي سطح اليد من المسبوك سطحا واحدا مطابقا بالكلية، وما يلاقيه من النار المحسوسة سطوح صغار مخالطة لما هو بالقياس إليها برد، فيختلف بذلك التأثير، إلا أن يبقى مدة تتوالى فيها المماسات فيكثر ويفعل كل سطح فيما يماسه فعلا، ثم يتسلط الفعل على ما هو عليه الأمر في الاستحالات الطبيعية.وأما النار المحقونة في مثل الكيران للحدادين فإنها أعظم تأثيرا فيما يماسه من المسبوكات وغيرها، وأسرع مدة لاجتماعها وصرافتها. وأما الحال التي في اليد، فلأن اليد قادرة على قطع الهواء والنار والأجسام اللطيفة بأسرع حركة، وليست قادرة على قطع المسبوك الكثيف باسرع حركة، لأن المقاومة للدفع والخرق في اللطيف قليل، وفي الكثيف كثير، ويكاد أن يكون هذا يسمى كثيفا وذلك لطيفا بسبب اختلافهما في هذا المعنى، فلو كان المسبوك ليس ألزج وأكثر تشبثا لما يلامسه، وليس أيضا اشد اجتماعا واتحادا، ثم كان قطعه في مدة أطول لمقاومته، وكان ثابتا لازما غير هارب عن المماسة، لكفاه ذلك في جواز أن يؤثر تأثيرا أشد من تاثير اللطيف بحسب نسبة الأزمنة إذ كان ذا أثر في مثل زمان ملاقاة اللطيف أثرا ما، فإذا ضوعف الزمان أمكن أن يساويه في بعض الأضعاف، وإذا زيد في الأضعاف أمكن أن يزيد عليه، وربما لم يكن زمانه المضاعف مع عظم نسبته محسوس القدر لما تعرفه. ومن حق هذا الموضع أن
Página 138