وأما القوى فإنها ليست من هذا القبيل. فإنها ليست بحسب إدراك الحس، أو نسبة غير الشي الذى ينفعل عنها. فإن لم يكن الجسم الذى يصدر عنه فعل مخصوص مخصوصا مميزا مما ليس يصدر عنه الفعل الذى كان مخصوصا به، لم يصدر عنه فعل مخصوص. وإذ ليس الاختصاص بالجسمية فهو بغير الجسمية. وإذ ليس الفعل صادرا عن المزاج صدورا أوليا، لأن الفعل الصادر عن المزاج هو ما يصدر عن حار وبارد ورطب ويابس مكسور، وليس هذا الفعل ذلك، فهو إذن عن قوة غير المزاج.
لكن لقائل أن يقول: إنكم تقولون إن المزاج، ليس إلا كيفيات مكسورة، قد يوجب إعداد لم تكن للبسائط، وليس هو كسر إعداد البسائط.وكذلك سيوجب صدور أفعال لم تكن للبسائط، ولا هو كسر أفعال لها.
فنقول إن هذا غلط. فإن الأفعال إنما تنسب نسبة أولية إلى الكيفيات، ولا يكون للمواد فيها شركة، وتكون كل قوة إنما هي ما هي لأجل فعلها. ويكون معنى قولنا إن هذه القوة قوية صرفه أن فعلها يصدر عنها قويا صرفا؛ ومعنى قولنا هذه القوة ضعيفة مكسورة أن الفعل الذى يصدر عنها يصدر ضعيفا. فلا مفهوم لقولنا حرارة ضعيفة إلا أن الفعل الذى للحرارة يصدر عنها ضعيفا. ثم لا ننكر أن تكون الأفعال عن الحرارات المختلفة فى الضعف والقوة تختلف اختلافا كثيرا، حتى يكون بعضه إحراقا وبعضه إنضاجا. لكنها تشترك فى المعنى الذى يكون للحرارة. فالذى يقع ذلك المعنى منه شديدا وقويا يقع منه إحراق، والذى يقع منه ذلك إلى حد يكون إنضاجا.
Página 258