وكذلك ما يخلص إلى المركز من الأرض يشبه المحض، فلا ينفذ فيه تأثير السماويات نفوذا يعتد به، ولا ينفذ إليه شائب؛ إذ لا يقبل رسوبا إلى ذلك الحد.
فيشبه لذلك أن تكون الأرض ثلاث طبقات: طبقة تميل إلى محوضة الأرضية وتغشاها طبقة مختلطة من الأرضية والمائية هى طين؛ وطبقة منكشفة عن الماء جفف وجهها الشمس، وهو البر والجبل. وما ليس بمنكشف فقد ساح عليه البحر، وهو أسطقس الماء.
ويستحيل أن يكون للماء أسطقس وكلية غير البحر. وذلك لأنه لا يخلو إما أن يكون باطنا غائرا، أو ظاهرا. فإن كان ظاهرا فهو لا محالة بحر ليس غير البحر.
وإن كان باطنا لم يخل إما أن يكون مستقرا فى الوسط، أو منحازا إلى بعض الجنبات. فإن كان مستقرا فى الوسط، فإما أن يكون بالطبع، فتكون الأرض أخف من الماء، وهذا محال؛ وإما بالقسر، فيكون ههنا قاسر للماء إلى حفر غور الأرض والانحياز فيه، وهذا أيضا محال.
وإن كان منحازا فى جنبة واحدة، فتكون كلية الماء محصورة فى بقعة صغيرة من الأوض وكلية الماء لا تقل، لا محالة، عن الأرض، إن لم تزد عليه. ثم يكون مقدار ماء البحر غبر قاصر عن مبلغه. فلم لا يكون البحر كلية دونه؟ ولم لا تفيض الأنهار فى «طرطاوس»؛ بل فى البحر لا غير، ولا يوجد إلى «طرطاوس» مغيض؟
Página 203