فهذا هو الذى يجب أن يسلم من قول الناس إن الشىء لا يفعل فى شبيهه. فإنه إن لم يفهم على هذه الصورة فليس بواجب أن يسلم. فالبارد إذا جاوره البارد عرض من ذلك أن يكون تبرده من قوته المبردة التى فى طبعه أقوى كثيرا من تبرده عنها، لو كان مجاوره شيئا حارا، يكون ذلك الحار كاسرا من البرد الفائض من طبيعته. وإذا كان مجاور الماء فإنه، مع أنه لا يكسر تبريد قوته، فهو يبرد أيضا؛ لأن القوة التى فى الماء، على ما علمت، تبرد الماء الذى هى فيه، وما يجعله معا من كل فاعل للتبريد؛ وهذه القوة بالحقيقة ليست شبيهة للجرم البارد، فيقال إنها لا تفعل فى شبيهها. فإن هذه القوة مبردة، وليست بباردة، وهى الطبيعة المائية، وهى أيضا محركة، وليست متحركة. فهى إذا وجدت مادة مبردة محتملة لأن تبرد صار ما فيها لا يعوق عن التبريد الذى يفيض منه، لأنها متجانسة مشاكلة. والشىء الذى لا يبطل شكله وجب أن تحصل هناك زيادة زائدة فى تبريد المادة.
فإن كانت تلك المادة التى فيه زادته تبردا، وتعدى ذلك أيضا إلى تبريد ما يجاورها فيكون، بالمجاووة، كل واحد من الجزءين يزداد كيفية؛ لأن طبيعته لا تجد عائقا عن تكميل الفعل، ولأنه يفعل أيضا فى مجاوره وكلما كثرت هذه الزيادة التى فى الكم ازداد هذا التأثير إلى أن يبلغ الحد الذى لا وراءه.
ولو كان جائزا أن تذهب الزيادة إلى غير نهاية لكان يجب أن يذهب هذا الاشتداد إلى غير نهاية للعلة المذكورة. ولهذا ليس يحق ما يشكك به بعض المتشككين على ماذكر فى علوم المشائين أنه، لو كان الفلك، مع عظمه، نارا لكان يجب أن يفسد ما تحته. فقال لا أرى ذلك يجب، فإن المفسد بالحقيقة هو السطح المماس. وهذا السطح يكون على طبيعة واحدة، وإن كان للجسم الذى وراءه أى عظم شئت؛ فإنه لم يعلم أن هذا السطح لا تثبت كيفيته على مبلغ واحد، حالتى عظم جسمه وصغره.
وقد سأل أيضا ، وقال: لو كان الازدياد فى العظم يوجب الاشتداد فى الكيف لكان يجب أن تكون نسبة برد ماء البحر إلى برد ماء آخر كنسبة عظمه إلى عظمه قال وليس كذلك؛ فإن ماء البحر، وإن كان أشد تبريدا، وكان الشارع فيه لا يحتمل من تطويل المكث فيه ما يحتمله الشارع فى ماء قليل، فليس يبلغ أن تكون نسبة بردى المائين نسبة المائين فى مقداريهم.
Página 218