222

Poesía y Pensamiento: Estudios en Literatura y Filosofía

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

Géneros

والحق أن الحكومة لم تقف من الاتجاه العام للرواية موقف الرفض، وإلا ما سمحت بنشرها في أهم جريدة يومية، ولكن ردود الفعل بلغت من الحدة والقوة درجة جعلت المسئولين يفضلون عدم نشرها في كتاب، بل ويزيدون على ذلك تحريم الحديث عنها. ولم أستطع أن أعثر على أي نقد مستقل للرواية في مصر، وإن كنت قد وقعت على بحث لغالي شكري، وهو بحث تفصيلي متعمق ضمنه كتابه عن نجيب محفوظ «المنتمي»، بجانب بعض الملاحظات التي أبداها محمود أمين العالم في سياق إحدى مقالاته التي مس فيها «أولاد حارتنا» مسا سريعا.

13

وهناك كتاب آخر عن المؤلف وصل به الأمر إلى حد تجاهل الرواية بحجة أنها لم تصدر في كتاب.

14

ولكننا لو تطلعنا خارج حدود مصر، فلن نجد كذلك - كما كنا ننتظر - عددا كبيرا من الدراسات المنشورة عن «أولاد حارتنا». وإذا كانت مجلة الآداب البيروتية قد نشرت عنها أكثر من مقال، فإن هذا أمر لا ينفصل عن حقيقة أن دار الآداب هي التي أصدرت الرواية في كتاب مطبوع، وغني عن الذكر أن هذا لا يقلل من أفضال سهيل إدريس على الرواية، وهو صاحب هذه الدار ورئيس تحرير المجلة.

15 ⋆

بالإضافة إلى أنه هو نفسه كاتب مرموق. والحقيقة المؤكدة على كل حال هي أن عددا كبيرا من الناس يعرفون الرواية حق المعرفة، ولكنهم يجفلون من التعبير عن رأيهم فيها صراحة. أيكون التحدي أكبر من طاقتهم؟ ربما تكفي هذه الإشارة للدلالة على الموقف الذي نحن بصدده، فيبدو أن من العسير على الكثيرين أن يفصحوا عن المقصود بالجبلاوي، وإذا لم يتحاش النقاد الخوض في هذه المسألة، وجدناهم يتحدثون عن المطلق (غ شكري، 233، 245) أو عن «الإله»، وكأنه ينتمي لديانة غريبة (م. البطوطي، 81)، ويندر أن نجد من يتحدث صراحة عن «الله» (ج طرابيشي، 18).

إن تحليل هذه الآراء والتعليقات يستحق الجهد المبذول فيه، ولكننا مضطرون في هذا المجال للاكتفاء ببعض الإشارات. فغالي شكري - وهو ناقد شاب ينحدر من أصل قبطي، ويعتنق الاتجاه الماركسي - يفسر مفهوم نجيب محفوظ عن التاريخ تفسيرا يتفق تمام الاتفاق مع مفهوم المادية التاريخية، والواقع أنه يبالغ في ذلك مبالغة شديدة، ويبدو أنه هو نفسه قد شعر بذلك عندما اعترف في ختام دراسته القيمة بأن نجيب محفوظ يتجاوز الماركسية، ويطرح أسئلة تتخطى مجال الماركسية (ص255). وماهر البطوطي يركز في نظرية للرواية على الجانب الميتافيزيقي؛ إذ يرى أن المشكلة الأساسية فيها هي مشكلة الصراع بين الخير والشر. ومحمود أمين العالم - وهو مثل غ. شكري كاتب ماركسي معروف - يبحث عن نوع من التوازن عندما يقرر أن نجيب محفوظ قد أقام في روايته «وحدة جدلية حية» بين العلم والدين وبين النزعة المادية والنزعة الروحية (ص83 وما بعدها)، والواقع أنه بقوله هذا قد أنصف المؤلف أكثر مما فعل النقاد الذين سبق ذكرهم. وناجي نجيب يؤكد بحق العلاقة الوثيقة بين أفكار المؤلف وبين التطور التاريخي في مصر، فمن رأيه أن المجتمع القديم لم يكن قد اختفى سنة 1952م كما تصور نجيب محفوظ، كانت الثورة قد بدأت، وكان من الضروري أن تتابع طريقها، وهذه هي القضية التي يدافع عنها نجيب محفوظ في روايته.

أما عن الاستشراق والمستشرقين، فقد نشر جاك جومييه - الذي ندين له بدراسة رائدة عن الثلاثية - بعض الملاحظات القليلة عن «أولاد حارتنا». وتكمن قيمة هذه الملاحظات قبل كل شيء في أنها تعكس الشعور السائد عند نشر الرواية على حلقات مسلسلة. ويرجع الفضل إلى ل. و. شومان في أنه كان أول من نبه الغرب إلى عظمة هذه الرواية عندما وفاها حقها من التقدير في محاضرته التمهيدية التي ألقاها بجامعة أمستردام، وكانت بداية انضمامه إلى هيئة التدريس بها. هذا فضلا عن دراسة الناقد العبري ساسون سوميخ الغنية وتأملات ب. ج. فاتيكيوتيس عن مفهوم الفتوة في الرواية، ولا يمكنني على كل حال أن أوافق الدارسين الأخيرين على تفسيرهما المفرط في التشاؤم.

لست أعرف في الأدب العربي الحديث عملا تناول مثل هذه المشكلات المهمة على هذا النحو المثير الذي تناولته به «أولاد حارتنا»، ولا شك أن السؤال الأساسي الذي يحتل منها مكان القلب هو مدى تأثير الدين على الحياة. هل ينكر نجيب محفوظ وجود الله؟ إن تعدد المعاني والإيحاءات أمر مسموح به للأديب، وهو يلجأ إليه هنا كما فعل في مواضع أخرى كثيرة. والحجة التي يسوقها لتبرير ذلك هي أن على الميتافيزيقا أن تتراجع وراء الضرورات الأرضية. إن حياة الإنسان، كما صرح بذلك في أحد أحاديثه، تتألف من مأساة الوجود وعدم الوجود كما تتكون من مآسي اجتماعية أخرى عديدة، كالجهل والفقر والعبودية والبطش. ولا بد للإنسان أن يتحرر من المآسي الاجتماعية التي صنعها بنفسه، وهو قادر على التحرر منها. فإذا فرغ من هذا أمكنه بعد ذلك أن يلتفت إلى مأساة وجوده. وقيام نجيب محفوظ بطرح هذه القضية على بساط البحث أمام الجمهور العريض، لا على نحو سري أو خفي، هو في الواقع من أهم النتائج التي أدى إليها التطور العلماني في الإسلام. ويبدو لي في نفس الوقت أنه قد ساهم بذلك مساهمة طيبة في الأدب العالمي بالمعنى الذي قصده «جوته»، فقد قدم عملا يستحق أن يضاف إلى الرصيد العقلي والروحي الذي تعتز به البشرية. ولا شك أن ترجمة هذه الرواية إلى اللغات الأوروبية ستظل أملا نتطلع إليه ونتمناه. (1978م)

Página desconocida