Poesía y Pensamiento: Estudios en Literatura y Filosofía

Abd Ghaffar Makkawi d. 1434 AH
113

Poesía y Pensamiento: Estudios en Literatura y Filosofía

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

Géneros

آه يا وطني، كل فصولك

صحت في دمي

تتقدم آمنا وتغني

فوق بحر جشع. (1919م)

عنوان هذه القصيدة يتصل بموضوعها، وهو الوطن الذي يذكره البيت الرابع والعشرون. ومع ذلك فإن هذه الصلة شيء نرجحه، ولا نستطيع أن نقطع به. فإذا شئنا أن نتمسك بها أمكننا أن نقول إن القصيدة تصور فيما يبدو رجوع الشاعر من الشرق الأدنى (وبالتحديد من مسقط رأسه بالإسكندرية) إلى وطنه. وقد يؤيد هذا الظن أنها تبدأ البيت الأول منها بفعل ماض «فر»، ثم لا تلبث أن تتحول عنه في سائر أبياتها إلى الفعل المضارع. وقد تؤيده أيضا من ناحية المضمون مثل هذه العبارات: قطيع النخيل الوحيد (البيت الأول) ارجعي (البيت السادس عشر)، آبائي (البيت الحادي والعشرون). ولكن المؤكد على كل حال أن القصيدة تتجنب التحديد المادي وتعمد إلى الإيحاء الذي يثير في الخيال مختلف الفروض والاحتمالات. ولهذا فمن العبث أن نحاول الاهتداء فيها بمكان أو شيء محدد. أما الأحداث الزمنية، فهي على العكس من ذلك واضحة يسهل التعرف عليها في درجات الضوء المختلفة. وإذا قرأنا القصيدة في أصلها الإيطالي لاحظنا أنها تخلو تماما من التنقيط، ولو قرأناها بصوت مرتفع لوجدنا أنها تتكون من مجموعة من الجمل القصيرة، لا يستثنى من ذلك إلا المقطوعة الثامنة منها (من البيت 18 إلى البيت 23).

ربما كان أروع ما في القصيدة هو استعاراتها الغنية. وتختلف نماذج هذه الاستعارات التي تلجأ إلى الصفة مرة (كما في البيت الخامس حين تصف السلحفاة بأنها في حداد)، ومرة أخرى إلى الإضافة (كما في البيت الأول والبيتين الثامن والعشرين). وقد تكون استعارة مطلقة (كما في البيتين الرابع عشر والخامس عشر)، حيث لا يشير طرفا الاستعارة إلى أشياء محددة (خلايا النحل وجبال الأبواق الضالة). والمهم أن الاستعارات تشترك جميعا في شمول الصور التي تعبر عنها، بحيث تبلغ أقصاها في البيتين الرابع والخامس، والبيتين الرابع عشر والخامس عشر. وربما أراد الشاعر إلغاء الفرق بين الكلام المجازي والكلام العادي وأحداث الغرابة والشذوذ من ناحيتي الصوت وبناء العبارة عن طريق التأليف بين كلمات لا تأتلف بطبيعتها، ولكن على الرغم من كل ما في القصيدة من غموض وإلغاز اشتهر بهما الشاعر، فإن فيها حركة توحد بين أجزائها المتفرقة، فهي تبدأ بقطيع النخيل الليلي الهارب، ثم تصف الليل نفسه إلى أن تتكشف شيئا فشيئا، حين تتكلم عن لؤلؤة الشك السكرى (أو ضوء الفجر الذي لا يتأكد بعد)، وعن ريح الصباح، حتى تنتهي إلى الحديث صراحة عن الهدوء الناصع (في البيت الثالث والعشرين)، وعن اليقظة والصحو النهائي (في البيت الخامس والعشرين). وتبلغ الحركة ذروتها في الفضاء المنتصر فوق بحر العواطف المضطربة (وهو البحر الجشع في البيتين الأخيرين).

وهكذا تؤيد القصيدة قضية تنطبق على الشعر الغربي الحديث في مجموعه، وهي أن هذا الشعر يفسر بحركته اللغوية والفكرية لا بألفاظه أو معانيه.

3

ونأتي إلى هذه القصيدة لبول إلوار (1895-1952م)، ولا شك أنك تعرف الكثير عنه، ولا شك أيضا أنك قرأت بعض أشعاره. ومع ذلك فأرجو أن تأذن لي بتقديم هذه الحقائق البسيطة عن حياته وأعماله. فقد ولد في سان دنيس وهي إحدى ضواحي باريس. كان أبوه موظفا في مكتبة، وكانت أمه تشتغل بالخياطة. اشترك في الحرب العالمية الأولى، وأصيب بتسمم خطير من الغازات السامة. أصدر كتابه «الواجب والقلق» في سنة 1917م، وعبر في قصائد للسلام (1918م) عن كراهيته للحرب وجمود المجتمع البرجوازي. انضم إلوار بعد نهاية الحرب إلى جماعة الداديين والسرياليين، وشارك في حركتهما الأدبية مشاركة فعالة، وكتب مجموعة من القصائد التي تحمل سخطه على الظلم الاجتماعي وغضبه من عدم الاكتراث بشقاء الإنسان. سافر في سنة 1924م في رحلة إلى شرق آسيا، أصدر بعدها مجموعة من أجمل قصائد الحب التي كتبها، «عاصمة الألم سنة 1926م» و«الحب، الشعر سنة 1929م». اشترك في المؤتمر الدولي الثاني للكتاب الثوريين الذي انعقد في خاركوف سنة 1930م، ووصل إلى ذروة إنتاجه في كتاب «الحياة المباشرة» (1932م).

انتقل إلوار تحت تأثير الحرب الأهلية الإسبانية من التمرد الفردي إلى الإيمان بضرورة الكفاح المشترك، وقطع صلته نهائيا بالسرياليين في سنة 1938م. واشترك في الحرب العالمية الثانية وعبر عن احتجاجه عليها في «الكتاب المفتوح 1940، 1942م» كما اشترك في حركة المقاومة السرية للاحتلال النازي لبلاده، وكان له دور كبير فيها. وقد انضم للحزب الشيوعي الفرنسي في سنة 1942م، وظل عضوا فيه حتى وفاته في سنة 1952م، وأثرت قصائده التي كتبها في ظل الاحتلال أبلغ الأثر على الشعب الفرنسي، وأثبتت أن الشعر يمكن أن يكون عونا على الفعل، وسلاحا من أهم الأسلحة التي تحرر وجدان الإنسان وأرضه. ومن أهم هذه القصائد قصيدته المشهورة «الحرية» التي نشرت في ديوانه الشعر والحقيقة (1942م)، وسبع قصائد حب في الحرب (1943م)، وموعد مع الألمان (1947م)، وكلها تعبر - على الرغم من صعوبة بنائها وشدة تركيزها وغرابة صورها واستعاراتها - عن حب وتعاطف غير محدود مع البشر، وحرص على حياتهم وشرفهم وسعادتهم التي كافح طوال حياته في سبيلها.

Página desconocida