Poesía y Pensamiento: Estudios en Literatura y Filosofía
شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة
Géneros
هذه أربع قصائد لأربعة من الشعراء المحدثين. أما القصائد، فستجد ترجمتها فيما بعد، وأرجو أن تغفر قصور هذه الترجمة وعجزها، ذلك أن ترجمة الشعر في كل اللغات أمر عسير مشكوك فيه، وهي في الشعر الحديث - الذي يهتم بجرس الكلمة وقيمتها الصوتية الموحية وعلاقتها بغيرها من الكلمات أكثر بكثير من اهتمامه بالمعنى والمضمون - تكاد أن تكون شيئا مستحيلا. أما الشعراء فهم جين الإسباني، وأنجارتي الإيطالي، وإلوار الفرنسي، وبن الألماني، وأستأذنك في تقديم نبذة موجزة عن حياتهم قبل تناول قصائدهم؛ إذ ليست السطور التالية إلا محاولة لإشراكك معي في قراءة هذه القصائد وتذوقها وتقديم تفسير يعين على إلقاء شعاع من الضوء على بناء الشعر الحديث.
والشعر الحديث بناء شامخ، يضل الإنسان في متاهاته المحيرة، أو بستان عجيب حافل بالزهور والأشواك، والحصى والجواهر، والسموم والوحوش أيضا إذا شئت، وهو في جملته بناء غريب شاذ، على أن نفهم هاتين الكلمتين بمعناهما الجمالي لا الأخلاقي. لقد نشأ في فرنسا لا في أي بلد آخر. أرسى دعائمه «بودلير» في كتاباته النظرية التي تأثر فيها بشاعر الرومانتيكية الألمانية نوفاليس، والكاتب الشاعر الأمريكي إدجار آلان بو. وظهرت ملاحمه الأساسية في بعض شعره. ثم أحكم هذا البناء شاعران عظيمان هما «رامبو» و«مالارميه» اللذان جعلا منه - كل على طريقته الصاخبة أو الهامسة - مغامرة فريدة في البحث عن المطلق أو عن العدم. ولا أحب أن أسترسل في هذا الكلام الذي قدمت لك طرفا منه في دراسة سابقة عن الشعر الحديث، وإنما أحب أن أقصر حديثي على القصائد الأربع التالية. ومع ذلك فقد يحسن أن أحدثك بإيجاز عن بعض عناصر هذا البناء الغريب الشاذ قبل الحديث عن القصائد، لتكون مصباحا صغيرا نهتدي به في تفسيرها.
فمن عناصر هذا البناء وضعه الخيال في مكان الواقع، وتأكيده لحطام العالم لا لوحدته، ومزجه بين عناصر متنافرة وناشزة، وتعمده الاضطراب والتشويه والتفتيت للواقع واللغة على السواء، وتأثيره السحري عن طريق الغموض والإلغاز وسحر اللغة المنبعث من رنين الكلمة وإشعاعاتها العديدة، وإغرابه لكل ما هو مألوف أو معتاد في مجال الفكر والواقع أو الزمان والمكان، وإيثاره للتفكير الرزين المحسوب الشبيه بالتفكير الرياضي، واستبعاده للعاطفية المسرفة، واطراحه لكل ما يسميه الفيلسوف الإسباني «أورتيجا إي جاسيت» بالنزعات البشرية، وتخلصه مما يسمى بشعر الإلهام أو الشعر المباشر، وطغيان المخيلة الخلاقة التي يسيرها العقل والوعي، وتدمير نظام الواقع والأنظمة المنطقية والانفعالية المألوفة، واستغلال الطاقات الموسيقية في اللغة إلى أقصى حد ممكن، والاعتماد على الإيحاء بدلا من الفهم، وإعلان القطيعة مع التراث الإنساني والأدبي والديني والتمرد المقصود عليه، وإحساس الشاعر بانتمائه إلى عصر حضاري متأخر، وشعوره بالتوحد والتفرد، وتكافؤ التعبير الشعري مع التأمل المستمر في هذا التعبير، أي تلازم الشعر وفن الشعر، وتعمد إذهال القارئ ومفاجأته وإدهاشه إلى حد الصدمة، والانسياق وراء المغامرة سواء في الشعر العقلي الخالص أو في شعر الأحلام وغياهب النفس غير الواعية بما يجدد اللغة ورموزها وصورها واستعاراتها ... إلى آخر هذه العناصر والعوامل السلبية في هذا البناء المعقد الذي يعكس وحدة الشاعر والفنان الحديث مع لغته وآلام عصره، لنبدأ الآن رحلتنا القصيرة في هذا «البستان الوحشي» بقصيدة لشاعر من إسبانيا. وخورخه جين من أكبر الشعراء الإسبان المعاصرين. ولد سنة 1893م في فالادوليد ودرس الأدب والفلسفة في مدريد وغرناطة. عاش من سنة 1909 إلى سنة 1911م في سويسرا، وقام بالتدريس في جامعة السوربون من سنة 1917 إلى سنة 1923م. حصل على الدكتوراه في سنة 1924م، وعين أستاذا للأدب في مورثيا، ثم في جامعتي أكسفورد وإشبيلية. وقد لجأ في سنة 1938م إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتولى تدريس الأدب الإسباني في كلية وليسلي في ماساشوتس. ومبلغ علمي أنه يعيش منذ سنوات في مدينة فلورنسة في إيطاليا.
ويعد «جين» من أهم رواد الشعر الإسباني المعاصر، وأكبرهم أثرا على الجيل الجديد من الشعراء، كما يعد من أكبر ممثلي الشعر الخالص أو الشعر المحض. ظهرت مجموعته الشعرية «أنشودة» التي ضم فيها كل ما كتب من قصائد في حياته في أكثر من طبعة، وعلى أكثر من صورة، وأضاف إليها ونقح فيها عدة مرات. وقد تأثر تأثرا قويا بشعر «خيمينيث» و«مالارميه»، وترجم كثيرا عن الشعر الفرنسي وبخاصة «فاليري» و«كلوديل» و«سوبرفيي». وهو من أشد الشعراء المعاصرين التزاما بأوزان الشعر وبحوره التقليدية، وتعد مجموعته أنشودة كبيرة في تمجيد الحياة والإنسان، وكل من يقرأ شعره يلاحظ أنه يبدأ من أشياء واقعية محسوسة لا يلبث أن ينقيها ويرتفع بها إلى عالم شاعري خالص من كل آثار الواقع، لنقرأ معا قصيدته التي تقول:
1
باب
الباب موارب.
عمن يبحث هذا الضوء؟
الشفق سيال
يتلألأ عاجزا - لمن هذا الصمت؟ -
Página desconocida