Sheikh Saad Al-Breik's Lessons

Saad Al-Buraik d. Unknown
84

Sheikh Saad Al-Breik's Lessons

دروس الشيخ سعد البريك

Géneros

الأحاديث الواردة في الفتن تفضل مقدم هذه المحاضرة جزاه الله خيرًا، بإيراد الحديث الصحيح، وهو قول النبي ﷺ: (إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل) هذا مما أخبر به النبي ﷺ، وقوله ﷺ: إن بين يدي الساعة، أي: إن من مقدماتها، وإرهاصات ومقدمات نزولها وقيامها، أن توجد هذه الفتن، وهي الفتن التي نراها في زمننا هذا، فتن ماجت في الناس واضطربت، وتلاطمت أمواجها فيما بينهم، في أرحامهم، في آبائهم وأمهاتهم، في منازلهم، في أسواقهم، في مجتمعاتهم، فيما يسمعون، فيما يأكلون وفيما يشربون، فتن الناس بأعظم فتنة حتى شاع المتشابه بينهم، وقل الحلال عند كثير منهم، وأصبح الحرام سهلًا ميسورًا عند بعضهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! يقول النبي ﷺ: (إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا) وهذه الفتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، فاكسروا قسيكم، وقطعوا أوتاركم، واضربوا سيوفكم بالحجارة، فإن دخل على أحد منكم فليكن كخير ابني آدم، أي: فليكن كهابيل الذي تهدده أخوه قابيل بالقتل، فقال: ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ [المائدة:٢٨ - ٢٩] ولا حول ولا قوة إلا بالله! ويقول النبي ﷺ: (ألا ستكون فتن، ألا ستكون فتن، ألا ستكون فتن، فمن كانت له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، قيل: يا رسول الله! فمن لم يكن له إبل ولا غنم؟ قال: يعمد إلى صخرة فيدق سيفه عليها -أي: يكسر سيفه- ويعتزل هذه الفتن أجمع) وكان الصحابة رضوان الله عليهم وهم قريبون من عهد النبوة، وهم حديثو عهد بالنبوة يتساءلون فيما بينهم عن شأن هذه الفتن وعن أمرها. جلس عمر بن الخطاب ﵁ ذات يوم، فقال: (أيكم يحفظ حديث النبي ﷺ في الفتن؟ فقال حذيفة بن اليمان، وهو أمين سر رسول الله ﷺ: أنا أحدثك عنها يا أمير المؤمنين! فقال عمر: والله إنك لجريء، حدثنا عنها، فقال حذيفة: سمعت الرسول ﷺ يقول: فتنة الرجل في أهله وولده وماله يكفرها الصلاة، والصيام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال عمر: ما عن هذا سألتك، وإنما سألتك عن الفتن التي تموج كموج البحر، فقال حذيفة: نعم يا أمير المؤمنين! وإن دونها بابًا، قال عمر: أيكسر أم يفتح؟ فقال حذيفة: بل يكسر يا أمير المؤمنين! فقال عمر: لا أبا لك) وهذه الكلمة مما يرددها العرب ولا يقصدون معناها، كقولهم: تربت يمينك، أو ثكلتك أمك، أو لا أبا لك، مما يقال لفظًا ولا يقصد معنى. قال حذيفة: بل يكسر يا أمير المؤمنين! فعلم عمر بن الخطاب ﵁ أنه بموته يقع في الأمة فتنة عظيمة، وسئل حذيفة ﵁ هل كان عمر بن الخطاب يعلم أنه هو الباب؟ فقال حذيفة: نعم. إن عمر يعلم أنه هو باب الفتنة، أي: إذا قتل عمر فبعده ينفتح باب الفتنة، ثم بعد ذلك يموج الناس ويكون في شأنهم ما يكون، وفي هذا عبر ومواعظ، إذا حصلت الفتنة والناس بعد خليفتين من خلفاء رسول الله ﷺ، فما ظنكم بالفتن في زماننا هذا. ولا أزال أسرد عليكم مزيدًا من الأحاديث التي اخترتها في باب الفتن، قال حذيفة ﵁: (كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، قال حذيفة: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم. وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف فيهم وتنكر. فقلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم -هذا هو باب الفتنة- قال رسول الله ﷺ: نعم. دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. فقلت: يا رسول الله! صفهم لنا، فقال: نعم. أصفهم لك -يقوله النبي ﷺ قال: إنهم من جلدتنا -يلبسون هذه المشالح، ويلبسون هذه الثياب، وهذه الغتر والعقل، أو من سائر ما يلبس الناس من القمص وغيرها- ويتكلمون بألسنتنا. فقلت: يا رسول الله! فما تأمرني؟ قال ﷺ: عليك بجماعة المسلمين، واعتزل تلك الفرق، قلت: فإن لم يكن للمسلمين يومئذ جماعة ولا إمام، قال: تعتزل تلك الفرق، ولو أن تعض بأصل شجرة) هذا حديث عظيم في باب الفتن. وكذلك الحديث الآخر الذي يرويه حذيفة أيضا لما سأله عمر في رواية أخرى عن شأن الفتن، فقال حذيفة: سمعت النبي ﷺ يقول: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأيما قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها -أي أنكر الفتن- نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر -أي: والقلب الآخر- أسود مربادًا، كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا). أيها الأحبة في الله! الأحاديث في شأن الفتن كثيرة جدًا، ولكن حسبنا أن نتأمل فقه ما أوردناه من هذه الأحاديث، أما الأحاديث الواردة في الفتن العظمى، فأنتم ولله الحمد والمنة في هذا المجتمع الذي تعيشون فيه لستم إلا في باب الفتن التي تعرض على قلوبكم في أعمالكم، وأولادكم، وأسواقكم، وأموالكم، ومآكلكم، وفي مشاربكم، أما الفتن بمعناها الأعظم وهو: القتل والهرج، وتخبط الناس في دماء بعضهم، هي واقعة في هذا الزمان، لكن هذا المجتمع بفضل الله قد سلم منها، ولا يشترط أن تكون السلامة برهانًا أو ضمانًا لدوام سلامة المجتمع، فكل شيء جائز، وإن الأمور بأسبابها، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فإذا أخذ الناس بالأسباب التي تبعدهم عن الفتن حفظهم الله منها، وإن أهمل الناس شأنها تورطوا ووقعوا فيها، والأمثلة في ذلك كثيرة، انظروا الآن ما يدور في لبنان، والله إن الذي يحمل السلاح ويطلق النار لا يعرف لماذا يقتل؟! والمقتول لا يعرف فيم يقتل؟! وفي أماكن كثيرة من بلاد المسلمين القاتل لا يدري لم قتل، والمقتول لا يدري فيم قتل، وهذه من الفتن العظيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وفي بلاد المسلمين أمثالها كثيرٌ، إلا أن الله قد نجى هذه الرقعة وهذه البلاد من هذه الفتنة، ولا نقول ذلك مديحًا أو ثناء، وإنما هو إخبار بالواقع، والله جل وعلا يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد:١١]. ليس على الله ضمان للعباد أن يبقوا على ما هم عليه، بل إن الله جل وعلا جعل الأمور بأسبابها، بسنن كونية، فإن هم أطاعوه حفظهم وأعزهم، وإن هم ضيعوا أمره وكلهم إلى أنفسهم، وحسبك بامرئٍ هلاكًا أن يكله الله إلى نفسه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

5 / 3