Sheikh Abdul Hay Yusuf's Lessons
دروس الشيخ عبد الحي يوسف
Géneros
الهجرة سنة الأنبياء
إن هجرة نبينا لم تكن بدعًا في سيرة الأنبياء والمرسلين، بل لقد هاجر الأنبياء والمرسلون صلوات الله وسلامه عليهم قبل نبينا محمد ﷺ، كإبراهيم خليل الرحمن على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، فبعد أن دعا قومه إلى الله وقال: ﴿إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [العنكبوت:٢٥].
وأبى قومه أن يؤمنوا به، قال تعالى: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت:٢٤].
بعد هذا قال إبراهيم ﵇: ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [العنكبوت:٢٦].
فترك تلك الأرض التي أبى أهلها إلا الكفر والإلحاد والشرك به ﷻ، وهاجر إلى الله ﷿.
وكذلك نوح ﵇ لما دعا قومه إلى الله فأبوا الإيمان بالله تعالى، فقال له قومه: ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ [الشعراء:١١٦].
قيل المراد بالمرجومين: المخرجين.
وكذلك لوط ﵇ قال له قومه: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمَرْجُومِينَ﴾ [الشعراء:١١٦].
وكذلك نبي الله موسى ﵇ لما خاف على نفسه من فرعون اللئيم أن يصيبه بسوء خرج من مصر، كما قال الله ﷿: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص:٢١].
وهذا المعنى أيضًا عرفه رسول الله ﷺ منذ اليوم الأول للدعوة، وذلك عندما نزل عليه جبريل في غار حراء، فرجع ﵊ إلى خديجة ﵂ يرتجف فؤاده، فطمأنته ﵂ بتلك الكلمات العِذاب: كلا والله يا ابن العم! لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وما اكتفت ﵂ بذلك، بل أخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان شيخًا كبيرًا قد قرأ الكتاب الأول، وله علم بالعبرانية لغة أهل الكتاب، فقص عليه رسول الله ﷺ ما رأى، فقال له ورقة بن نوفل: إنه الناموس الذي كان ينزل على موسى ﵇، وقال له: ليتني فيها جذعًا إذ يخرجك قومك، فقال له النبي صلى الله ﵊ متعجبًا: (أومخرجي هم؟)، أي: هل قومي يجرءون على إخراجي وأنا فيهم من أنا! أنا الصادق الأمين! وأنا العزيز الكريم! وأنا البر التقي؟! فقال له ورقة -وهو العارف العالم-: نعم؛ ما أتى أحد بمثل ما جئت به إلا عاداه قومه وأخرجوه؛ فالنبي ﵊ كان متهيئًا لذلك اليوم، ولكنه كان ينتظر أمر الله ﷿، وكل نبي من الأنبياء كانت الهجرة له دينًا وديدنًا، وسبيلًا لنشر الدعوة، وإحقاق الحق، والانتصار لدين الله ﷿، وهداية الناس، والتماس الأرض التي ينتشر فيها الخير والنور.
6 / 3