210

Sheikh Abdul Hay Yusuf's Lessons

دروس الشيخ عبد الحي يوسف

Géneros

شراب الكفار في النار وطعامهم قال الله: ﴿تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾ [الغاشية:٤]، وقد مر معنا قول الله ﷿: ﴿الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى﴾ [الأعلى:١٢] فيصلى أي: يقاسي حرها وسعيرها. ﴿تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾ قد اشتد حرها غيظًا وغضبًا: ﴿إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾ [الفرقان:١٢]؛ لأن النار غاضبة على هؤلاء الكفار والفجار: ﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾ [الغاشية:٥]؛ أي: بلغت غايتها في الحرارة، كما قال الله ﷿: ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ [الأحزاب:٥٣] أي: نضجه وتمامه. وهذه العين قد بلغت الكمال في الحر والسعير، ولو أن قطرة منها سقطت على الأرض لأذابتها، قال الله ﷿: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾ [إبراهيم:١٦]، وقال: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ [الكهف:٢٩]. ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ﴾ [الغاشية:٦]، قال قتادة ﵀: أبشع الطعام وأخبثه وأنتنه؛ شوك ينبت في النار، وقيل: سمي ضريعًا؛ لأنهم يتضرعون إلى الله منه، ويدعون الله بألا يطعموه، وفي تفسير ابن عطية: سمي ضريعًا؛ لأنه مضرع يسبب هزالًا في الجسد، ومنه قول النبي ﷺ في حال ابني جعفر: (مالي أراهما ضارعين) يعني: نحيفين هزيلين. يقول الإمام القرطبي في قول الله ﷿: ﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ﴾ [الحاقة:٣٥ - ٣٦]، ما عندهم طعام إلا الغسلين، وهنا يقول: ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ﴾ [الغاشية:٦] قال: ووجه الجمع بين الآيتين: أن النار دركات -والعياذ بالله- فمن أهل النار من طعامه الغسلين، ومن أهل النار من طعامه الضريع، ومن أهل النار من طعامه الزقوم، كما أن من أهل النار من شرابه الحميم، ومن أهل النار من شرابه الصديد، قال الله ﷿: ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ [الرحمن:٤٤]، وهذا حالهم. ﴿لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾ [الغاشية:٧] لا يتحقق به مقصود، ولا يندفع به محذور، فليس فيه فائدة.

18 / 15