لماذا نسبح الله تعالى؟
قال تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ [الأعلى:١]، يا ربنا! لم نسبحك؟ ذكر سبحانه الحيثيات والأسباب لذلك: أول سبب: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ [الأعلى:٢]، فقد استدل سبحانه بخلقه على جلاله وقدرته ﷾.
وهذا سبيل الأنبياء كما قال الرازي ﵀، فطريقة أكابر الأنبياء: الاستدلال بالخلق على الله، كما قال إبراهيم ﵇: ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء:٧٧ - ٨٠]، وكما قال موسى ﵇ لما سأله فرعون عن رب العالمين ﷻ، فقال له موسى ﵇: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه:٥٠]، وهذه هي صفته سبحانه: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾، سوى بين الخلائق في الإحكام والإتقان، فكما أن خلقة السماء محكمة متقنة متينة كذلك فإن أدنى حشرة من الحشرات محكمة.
والسبب الثاني: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى:٣].
﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر:٤٩]، ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ [الأحزاب:٣٨]، فقد هدى بني آدم لما ينفعهم ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد:١٠]، وهدى البهائم لمراتعها، فحتى البهائم والطيور تعرف ما ينفعها مما يضرها ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه:٥٠].
والسبب الثالث: ﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾ [الأعلى:٤].
وهو الحشائش الرطبة التي ترعى فيها البهائم فتسمن وتبدن ويدر ضرعها بإذن ربها، ﴿فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى﴾ [الأعلى:٥]، فبعد أن كان هذا المرعى رطبًا طيبًا يؤكل صار غثاء يابسًا هشيمًا يحمله السيل بزبده، وأحوى: أي أسود بعدما كان أخضر يانعًا خضرته تسر الناظرين.
18 / 5