فهزت رأسها بالإيجاب. - هل به عيب؟
فلم تنبس، فصاحت: أقلعي عن هذا الخرس، أنا لا أصدقك، ولا بد من الحقيقة.
ولكنها لاذت بالصمت ونشجت للمرة الثالثة، فحنقت عليها متمنية في الوقت نفسه أن تكون صادقة. تساءلت: إذن لم يعتد عليك أحد؟
فهزت رأسها بالإيجاب. تتمنى أن تصدقها، ولكن من أين لها اليقين؟ ورأت الاكتفاء بهذا القدر من الاستجواب مؤقتا. قامت وهي تقول: خذي راحتك ونظفي نفسك والله يتولانا برعايته.
7
رجع الرجال إلى البيت فتناولوا غداءهم. الشقة باردة مثل الخارج أو أكثر، ولكن إحكام إغلاق نوافذها حماها من عواصف أمشير، فلم يقتحم الداخل إلا زفيف رياحه. هذا البيت لا يحب الشتاء وخاصة أمشير. توارت في أثناء ذلك عنايات في المطبخ، فلم ينتبه لوجودها أحد. وطيلة الوقت جعلت جمالات تتأهب لإلقاء الخبر. رددت في أعماقها بإصرار «لا أحد». حل سعيد لم يجر لها في بال. لم لا؟ البنت بريئة ولأمر ما كرهت الزواج فهربت. إنه لا يصدق ولكنه غير مستحيل. لعلها تحب شخصا آخر. إن صح تخمينها فهي تحب صبي الكواء، فهو شاب وسيم ويخطر عادة في البلوفر والبنطلون. وبعد الفراغ من الطعام مضت إلى حجرة الجلوس وهي تشير إليهم أن يتبعوها. جلسوا على الكنب العتيق. توقعوا أمرا، وقال محمد فتحي الأب: لو تمطر السماء يصفو الجو وتهدأ العاصفة.
نظرت صوب التلفزيون والراديو الصامتين فوق حاملهما الخشبي، وقالت ببساطة: عنايات هنا ...
شخصت الأبصار. شخصت إليها باهتمام واضح. باتت عنايات بؤرة الإثارة وهدفها. ولم ينبس أحدهم بكلمة. انتظروا المزيد بوجوه مفصحة عن الاهتمام وحده. قصت عليهم قصة رجوعها وخطة أمها، ثم قالت بارتياح: حققت معها فأسفر التحقيق عن لا شيء، زوبعة في فنجان كما يقولون ...
تساءل محمد فتحي: ماذا تعنين؟ - لا جناية ولا جان ...
تمطى الصمت حتى شمل الكون، تساءل الأب: لم كان الهرب إذن؟
Página desconocida