Sheij Abd Qadir Maghribi
محاضرات عن الشيخ عبد القادر المغربي
Géneros
1
فالمغربي يرى أن التعريب والاشتقاق طبيعيان في اللغة، وأنهما فصيحان كالكلمات الأصلية، وقد كان لهذا الرأي الجريء الذي قال به المغربي قبل نصف قرن صداه البعيد، على الرغم من قوة خصومه القائلين بوجوب تنقية اللغة من المفردات المعربة الدخيلة، وقصر الاشتقاق على ما كان سار عليه القدماء، فإن الألفاظ الأعجمية إذا ما دخلت اللغة وصقلها اللسان العربي استعربت، وأصبحت كأنها من المفردات الأصلية. والمغربي بهذا الرأي يريد أن تبقى اللغة العربية متطورة مع الزمن تطورا سليما صحيحا، تأخذ من اللغات الحية مما تزيد به مفرداتها زيادة تجاري بها سير ركب العلم والحضارة. وقد كانت كلمة المغربي هذه حافزا لأهل الحل والعقد، يحفزهم إلى إيجاد مؤسسات ثقافية أو مجامع علمية تقوم بهذا العمل قياما صحيحا، يبعد الفوضى عن اللغة، ويوقف سيل الهجوم على بعض الكتاب، الذين يستعملون بعض الكلمات المعربة والدخيلة في كتبهم ومقالاتهم ومحاضراتهم، فيحتدم الجدال بينهم وبين المحافظين، وقد كان الشيخ المغربي في مقالاته التي كتبها في جريدة المؤيد ما بين عامي 1906، 1909م مسعر نار الحرب الكلامية في هذا الباب، واضطر خصومه إلى عقد جلسات مناظرات ومحاورات اشترك فيها نفر كبير من أساطين اللغة والأدب المعروفين في ذلك الحين أمثال: حفني ناصف، وعبد العزيز جاويش، ومحمد الخضري، وأحمد الإسكندري، وأحمد زكي، وحسين والي. وكان ختام تلك المناظرات جلسة عقدت في مساء 20 حزيران 1908م خطب فيها نفر من هؤلاء الأعلام، وقد انقسموا قسمين: قسم يرى رأي المغربي، وقسم يخالفه، وانتهى بهم المطاف إلى تحكيم العلامة أحمد فتحي زغلول، فألقى كلمة رائعة جاء فيها: «إذا عرض لنا لفظ أعجمي ترجمناه إلى لغتنا، وإذا تعذرت ترجمته اشتققنا له اسما من لغتنا، وإذا تعذر ذلك استعملنا مكان الأعجمي كلمة عربية مصوغة بإحدى طرق المجاز، وإن لم يمكن شيء من ذلك نلجأ إلى تعريبه أسوة بالمعربات السائدة في لغتنا.»
2
وقد كانت هذه الكلمة انتصارا لمذهب المغربي، الذي انصرف منذ ذلك الوقت إلى بحث موضوع الاشتقاق والتعريب والكتابة فيه؛ لتأكيد وجهة نظره طوال فترة بقائه في مصر، ولما عاد المغربي إلى الشام أخذ يدعو إلى فكرته ويكتب فيها، فلما أسس المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1919 واختير المغربي في عداد مؤسسه، وأنشأت الحكومة العربية الفيصلية دائرة أسمتها «شعبة الترجمة والتأليف» 1919 كانت مهمتها تدبر شئون مفردات اللغة في دواوين الدولة العربية الفتية، واستبدال الكلمات التركية والأجنبية بكلمات عربية، وكان الأساتذة فارس الخوري، وعبد القادر المغربي، وعبد الرحمن الشهبندر، ومحمد كرد علي من القائمين بهذه المهمة العلمية، ثم بعد فترة؛ أي في يوم (8 / 6 / 1919) رأى جلالة الملك فيصل الأول إنشاء مجمع علمي تابع لوزارة المعارف؛ للقيام بهذه الأعمال، فأمر بإنشائه وعهد برئاسته إلى الأستاذ محمد كرد علي، وكان المغربي من أبرز أعضائه العاملين، وكانت مشكلة الوضع والتعريب من أخطر المشاكل التي استقبلها المجمع، ولكن الشيخ المغربي استطاع هو وإخوانه أن يذلل صعوباتها، ويضع عددا كبيرا من المفردات المعربة، كما كان لهم سعي مشكور، وأثر واضح في السعي؛ لإيجاد معجم جديد في اللغة العربية ينظم المفردات الحديثة. ويجمع اللغة المستعملة، وقد تقدم الأستاذ المغربي بتقرير مفصل عن فكرة المعجم إلى زملائه أعضاء المجمع في جلسة يوم الجمعة 12 كانون الأول (ديسمبر) 1924، وإليكم خلاصة ذلك التقرير: هناك ثلاثة أمور يذكرها الفضلاء في صيغة المعجم وشرائط تأليفه وهي: (أ)
حسن اختيار الكلمات، فنختار له من الكلمات ما نحن في حاجة إليه، ونهمل ما لا حاجة لنا به. (ب)
أن يضاف إليه كلمات جديدة دخيلة ومولدة ومنحوتة ومشتقة، مما تستدعيه حاجة الفنون المعربة والاختراعات الحديثة. (ج)
أن لا يشتغل واضعو المعجم بالعمل منفردين؛ بل عليهم أن يستعينوا برأي علماء اللغة أو مجامعها في الأقطار العربية توحيدا لكلمات اللغة وطرق استعمالها،
3
ولكن هدف المغربي لم يتحقق لصعوبة القيام بعبء هذا المعجم، فانصرف إلى كتابة المقالات، ونشر البحوث اللغوية في الصحف والمجلات العلمية وبخاصة مجلة المجمع العلمي العربي إلى أن أسس مجمع فؤاد الأول للغة العربية «مجمع اللغة العربية المصري» في سنة 1931، وانتخب المغربي عضوا فيه، فقال في كلمته يوم الافتتاح:
يكاد لا يفهم الجمهور من وظائف المجمع إلا أن عليه أن يتتبع الكلمات - الدخيلة والأعجمية المتفشية في لغته اليومية، وأن يستبدل ألفاظا عربية لها، حتى كان هذا العمل أو هذا الغرض هو كل ما يرتجى من المجمع، وقد نسوا ما للمجمع من فضل في توجيه الأغراض الأخرى حقها، ولا سيما وضع ألوف الكلمات للغة الدراسة؛ أي لغة العلوم والفنون ... ماذا صنع حماة اللغة، الغير على سلامتها بكلمات: براشوت «شتوكا» جستابو كوماندوس ... هما رأيان بدآ يتصاولان منذ زمن الشيخ رفاعة الطهطاوي ، أو نقول منذ عهد الترجمة الأول، وما زالا في الصيال حتى أسلما أمرهما أخيرا إلى مجمع فؤاد ونزلا على حكمه. حقا إن مسألة التعريب أو نقول: إن مسألة التردد في قبول الكلمات الأعجمية، وعدم قبولها أخل بنهضتنا اللغوية وأخرها إلى الوراء أكثر من نصف قرن؛ ولذا كان التعريب من أعظم الأغراض التي ينبغي أن تعنى بها المجامع اللغوية، وهو فوق ذلك موضوع معقد خطر، ولم ننس بعد ما كان من اختلاف الرأي حول وضع اصطلاحات عربية للجيش المصري مكان اصطلاحاته القديمة، وكم عالم غيور من رجال نهضتنا الحديثة قضى نحبه وبقلبه شيء أو حسرة من التعريب!
Página desconocida