Sheij Abd Qadir Maghribi
محاضرات عن الشيخ عبد القادر المغربي
Géneros
ولذلك عمد إلى السير في هذا الطريق، فانصرف إلى الصحافة يمارسها، وينشر بوساطتها آراءه منذ أن امتشق القلم في مصر سنة 1905 بعد وصوله إليها بسبعة أشهر إلى أن توفاه الله.
وقد أبقى لنا في خزانة كتبه أضابير جد قيمة أحصى فيها مقالاته الصحفية ورتبها ترتيبا دقيقا كاملا منذ سنة 1905 إلى سنة 1956، وكأنه كان يريد نشرها في مجلدات، فقد صنفها تصنيفا متقنا، وكان قد نشر قسما منها في مجلدين سماهما «البينات» ضمنهما بعض مقالاته التي كتبها ما بين سنتي 1906-1910م.
ونحن إذا رحنا نعرض مقالاته ورسائله الصحفية ونستقرئ بحوثها العلمية والأدبية والسياسية والاجتماعية نجد له في سنة 1905 مقالا واحدا نشره في المقطم، ولعله أول مقال كتبه، وكان عنوانه «التمثيل العربي»،
1
وقد كتب على هامش الجزازة التي تحوي المقالة «كتبتها بعد وصولي إلى القاهرة بسبعة أشهر في سنة 1905م/1323ه»، ولعلها أول مقالة كتبها في مصر.
ونحن إذا درسنا تلك المقالة دراسة دقيقة نجد أسلوبا مشرقا وأفكارا نيرة وملاحظات وتوجيهات تدل على سمو فكر الكاتب على الرغم من ثقافته البسيطة ومحيطه الأولي الذي تخرج فيه. فقد ابتدأ مقالته بتبيين فوائد التمثيل وقرنه إلى صنويه؛ الصحافة والخطابة، بل هو يذهب إلى تفضيله على الصحافة والخطابة؛ لأنه أقربها تأثيرا وأنجعها علاجا في تربية الأمم ووسائل تهذيبها.
ثم شرع في تصوير التمثيل، وكيف أن الممثل يعمد إلى حادثة مشهورة، أو رواية مأثورة فيعرضها على الأنظار، ويقلد رجالها وكل من له مشاركة في حوادثها متحريا محاكاتهم في أزيائهم وهيئاتهم وعادتهم وسائر ملابسهم.
والمغربي في وصفه عمل الممثلين واصف بارع دقيق الملاحظة مبسط للأمور المعقدة، شارح للقضايا الغامضة شرحا يدلنا على دقة تفكيره وسلامة بصيرته وبخاصة حين يقول إن «فن التمثيل إذن محاكاة وتقليد، والتقليد والمحاكاة غرائز من غرائز الإنسان نشأت معه مذ كان على بساط بساطته الأولى، انظر إلى الطفل فإنه لا تمسه نفحة من العقل، حتى يأخذ في تقليد من حوله ومحاكاتهم في أقوالهم وأعمالهم، فلا غرو إن كانت النفوس بالتمثيل أعلق، وإليه أحن وفيه أرغب»، ويبين المغربي بعدئذ أن الهدف من التمثيل هو إصلاح الشعوب وتقويم النفوس والاحتيال على سوق الناس إلى ما يريده بهم المصلحون، إما عن طريق الأساليب البلاغية، أو ضرب الأمثال، أو تصوير الوقائع التاريخية، أو نحت التماثيل أو الغناء، وأن التمثيل هو جماع تلك الفنون إذ يتناول الكاتب المؤلف الحادثة التاريخية فيضربها مثلا يتجلى فيه جمال الفضيلة بأبهى مظاهرها وقبح الرذيلة بأبشع صورها، ثم يكسو ذلك من جلابيب البلاغة والشعر والتلحين والتصوير ما شاء وشاء تمكنه من نواحي تلك الفنون.
ثم يذكر المغربي اهتمام كتبة الفرنج بالتأليف في فن التمثيل؛ لأنهم وجدوا فيه ضالتهم من قيادة الشعب وسوقه من حيث يشعر أو لا يشعر إلى تربية ملكاته، ثم يلتفت المغربي بعدئذ إلى قومه فيرى حالتهم الاجتماعية المتقهقرة، ويتمنى أن يعظم شأن هذا الفن الاجتماعي الإصلاحي بين ظهرانيهم، ثم يثني ثناء طيبا على رائد هذا الفن في مصر الشيخ سلامة حجازي، ويصفه بأنه ممثل بارع ممتاز ببراعته، وبذلك وسعه في تحسين الفن والسعي لإتقان أساليبه حتى كاد يتجاوز به طور الطفولية، فيجب على أفاضل البلد وجمهور الكتاب أن يشجعوه ويشدوا أزره فيما يهدف إليه.
ولا ينسى المغربي أن يحرض من آنس من نفسه استعدادا وميلا فطريا إلى هذا الفن أن يعكف عليه، وأن يتأهب له أهبته بالإكثار من قراءة الروايات الإفرنجية واستظهار جيدها وترجمة المفيد منها، ثم يعرض بهذه المناسبة إلى موضوع ترجمة الروايات والتمثيليات التي هب الناس في ذلك الوقت إلى ترجمتها، فينقدها نقدا علميا صحيحا، ثم يعرض إلى الروايات المؤلفة ويقارن بينها وبين الروايات المترجمة ويقول: «ومن أوتي حظا من الفهم في هذا الفن أدرك لأول وهلة الفرق بين الروايات المترجمة والأخرى الموضوعة وضعا فإن حوادث الأولى تسرد على نسق غريب في أسلوب عجيب فهي كأنها متكافلة طورا، يفسر السابق اللاحق وآونة يوضح المتأخر المتقدم.» ولا يسمع السامع حادثة منها حتى تنشب أنفاسه في حلقه مبهوتا متشوقا إلى معرفة ما يليها فإذا سمعه وقع من نفسه موقع الدهشة والاستغراب، وليس كذلك الروايات الأخرى - أي الروايات المؤلفة - حتى ما ينسب إلى أشهر المشتغلين في الفن، ويطيل المغربي في نقد الروايات المؤلفة ثم يقول: إن كتابها يغفلون عن إيضاح مغزاها والغرض المفيد الذي وضعت من أجله من حث على فضيلة أو تغيير رذيلة بعبارات جلية وأساليب واضحة بحيث تسترعي أسماع النظارة، ولا ينسى أن يوجه ملاحظاته في آداب الاستماع والاعتبار، وبما يجب على النظارة أن يتحلوا به من الحشمة فيقول: «أما النظارة المتفرجون فإن أكثرهم لاه عن تعرف الأسرار بهتك الحجب والأستار، مشغول عن تفهم الحكم والفضائل بما فوقه مائل وليس تحته طائل، إنه يحسن بنا أن نتشبث بالحشمة والوقار وندع الطيش وخيانة الأبصار ونترك كثرة اللغط والضوضاء، سيما عندما يروقنا شيء من أقوال الممثلين وأفعالهم، فإن اللغط يحرمنا فهم تتمة السياق؛ بل ربما شوش على الممثلين أنفسهم، فلا يدرون أيمضون في حديثهم أم يسكتون، بينما يفرغ القوم من جلبتهم وضوضائهم.»
Página desconocida