ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر
والذي كان يقول:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
وداوني بالتي كانت هي الداء
هو أبو نواس الذي كان يقول:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت
له عن عدو في ثياب صديق
فليس هذا من أبي نواس ازدواجا في الروح، وما الحكمة الزاهدة عنده إلا فتور نفس أجهدتها اللذة فأضعفتها، فأخافها الضعف، فألجأها إلى حمى الحكمة والزهد، وإلى استغفار الله والتوبة إليه؛ لذلك لا تلبث نفسه أن تعاودها القوة حتى تعود إلى نعيم الترف والإباحة. وذلك هو السر في أنك لا ترى الزهد في شعر أبي نواس إلا عرضا واستثناء، وذلك شأن الشعراء جميعا إلا قليلا منهم، وشوقي من هذا القليل؛ ففي شعره صورتان من صور الحياة تقوم كل منهما مستقلة، كأنما صاحبها غير الآخر، فأنت تقرأ:
حف كأسها الحبب
فهي فضة ذهب
Página desconocida