Shawqi: Cuarenta Años de Amistad
شوقي: صداقة أربعين سنة
Géneros
وأما «الأعلاق» فلا ينس البيان أنه منعها في البداية قولا واحدا بمعنى العلاقات، فقال ما نصه: «يريد بالأعلاق العلائق وهي لا تأتي بهذا المعنى إنما الأعلاق جمع علق بالكسر وهو الشيء النفيس.» فمقتضى كلامه الذي لا يحتمل أدنى مغالطة أن الأعلاق هي النفائس منحصرة في هذا المعنى بدليل قوله: «إنما» فقلنا له: بل الأعلاق تأتي بغير معنى النفائس فتأتي جمعا للعلق محركة وهذا يأتي بمعنى البكرة والحبل المعلق بالبكرة، وبمعنى الرشاء مطلقا، وأنشدناه هذا الشطر من اللسان:
عيونها خزر لصوت الأعلاق
دليلا على عدم انحصار الأعلاق في معنى النفائس كما ذهب إليه، فظاهر أن صوت الأعلاق في هذا الشطر لم يقصد به صوت الأشياء النفيسة.
ثم قلنا في هذه الأدوات وهي البكرة والحبل من معنى التعليق والعلاقة ما يسدد ارتباطها بالقلوب؛ وذلك لأن المجاز يقع لأول ملابسة، وهنا الملابسة شديدة، فكان من الشيخ أنه طوى كشحا على كلامنا هذا ومال إلى التهكم بتأويل الأعلاق بالحبال والبكرات وأخذ يترحم على عشاق العرب الذين لم يسبقونا إلى هذا المعنى بزعمه، ولا ذكروه في أغزالهم الرقيقة، وقال: «وإذن لكان لهم ما يصطادون به المحبوب قسرا إذا سمع صرير تلك البكرة فخزرت عيناه دهشا.» إلى آخر ما ذكر.
ومقتضاه أنه يلزم تفسير اللفظ بمعناه الحقيقي ونفى المجاز من اللغة العربية حال كون المجاز هو فصاحتها وبيانها، وعليه فصار يلزم من الآن فصاعدا إذا أردنا تفسير
فأذاقها الله لباس الجوع
أن نتخيل للجوع ثيابا ونتصور تلك الثياب في الأفواه وقد أنحت عليها الألسنة تلوكها.
وإذا قيل: حمي الوطيس، امتنع أن نفهم منه سوى مجرد حمي التنور، وإذا قيل: جناح الذل، تبادر إلى الذهن جناح ذو قوادم وخواف فيه من الريش طائل وشكير، وإذا قيل عن رجل: إنه بحر العلم، وجب أن تلتطم بين جوانحه الأمواج وتمر فوق رأسه السفن، وإذا قال البيان في نفس عبارته التي تهكمنا بها «يصطادون المحبوب»، بمعنى يجتذبونه تعين أن يكون المحبوب غزالا قد صيد بشرك نصب له، أو سهم شك فؤاده فأخذ وسلخ وشوي على النار كما يفعل بالصيد! وإلا فالمحبوب لا يصاد في الحقيقة، وهكذا نمضي في تفسير العربي كله على هذا النمط، وناهيك ما يتسع لدينا حينئذ من مجال الهزوء لا بأعلاق القلوب فقط بل بأكثر معاني هذه اللغة الشريفة، مع أن الكلام كما لا يخفى، على واسع علم المعترض، منه حقيقة ومجاز، والحقيقة هي اللفظ الدال على ما وضع له في الأصل، والمجاز هو ما أريد به غير المعنى الموضوع في الأصل وهو من جاز؛ أي انتقل كأنما يريدون به الانتقال من مقصد إلى آخر.
فإذا قيل: زيد أسد، حال كون زيد إنسانا والأسد حيوان كأنه قد فصل المجاز من الإنسانية إلى الأسدية لوصلة بينهما هي الشجاعة.
أو قيل: زيد بحر، فالوصلة هي الكرم وهذا هو أهم أبواب البيان، بل قال بعضهم: إنه علم البيان بأجمعه.
Página desconocida