وتلفتت عيني فمذ بعدت
عني الطلال تلفت القلب
الأحد 22 شوال/6 أغسطس
في الطائرة يعرف الإنسان قدره
ركبت اليوم طائرة من جدة إلى القاهرة، وكثيرا ما ركبت طائرات كارها أو راضيا. وقد سجلت ما شعرت به حينما ركبت الطائرة أول مرة في مقال عنوانه: في جو السماء، وأثبته في كتاب «الرحلات الأولى».
واليوم لبثت في لوح الجو، أفكر في المركب الهائل، والمنظر الرائع، وانقطاع الراكب عن حوله وطوله، وقريبه ونصيره، وصحوه عن الغرور والكبرياء، وتنبهه إلى قدره ريشة في جو السماء، وعرفانه قوته وحيلته، ونسيانه ماله وجاهه. قلت: ما أضعف الإنسان، وما أشد غروره! هنا يقدر الإنسان نفسه، ولا يعدو قدره.
قالت نفسي: ولكن الإنسان سير هذه الطائرة في عنان السماء، ورفع بحيلته هذا الجسم الهائل في الهواء، وطير هذا البيت الكبير، فهنا يقدر الإنسان عقله وعلمه وصنعته ويعتد بنفسه. قلت: لا أجادل عظم الإنسان وسعة عقله وعلمه، ولكن ينبغي ألا تخدعه حقيقة عن حقيقة، فهو عاقل عالم صانع، وهو ضعيف ضئيل قاصر عاجز؛ يتمنى فلا يدرك، ويحاول فلا يقدر، عرضة للآفات هدف للمهالك. وهو على الأرض جبار يعز بقوته وجاهه وماله، وعشيرته وقومه، فتغلب عليه الأوهام وتحجب عنه الحقائق. فهنا في جو السماء فليعرف نفسه، وليزنها بميزانها، ويقدرها حق قدرها.
إنه هنا إن استصرخ لا يجد مصرخا، وإن فزع لا يجد مفزعا، وإن أحس الخطر لم يجد منه مفرا ولا عنه مزحلا، فإنما هو وطائرته فوق السحاب والعباب ... وإلى الله يرجع الأمر كله.
الإثنين 23 شوال/7 أغسطس
مسايرة الطبيعة
Página desconocida