من وراء الأسماع والأشهاد
فهو آت من منبع الأزل المج
هول وجار لمظلم الآباد
فهل الحياة كما زعمت نهر جار بين طرفين مجهولين أو هي نبع فياض نراه ونسمع خريره، ثرار دائم مستقر، لا يقاس بجريه بين أوله ومنتهاه، ولكن بفيضه في مكانه؟
يخطر لي أن الإنسان إن استسلم للحادثات فجرت به كما يجري النهر بالغثاء، وقاس عمره بما بين المكان الذي حمله فيه الماء والمكان الذي ينتهي فيه إلى البحر، فالحياة أشبه بالنهر الجاري. وإن ثبت الإنسان على الحادثات وصرفها واستقر مكانه وسبرها، راسخا موضعه بالقوانين العامة الثابتة، فالحياة أشبه بالينبوع الفياض نراه مكانه، لا نجري مع الماء الذي يفيض عنه.
ومهما يكن فالذي لا ريب فيه أن الحياة عمل دائم وجهاد لا يفتر، وأن علينا أن نعمل غير مفكرين في الينبوع والنهر، وأن نثبت أنفسنا بالقوانين والشرائع لا نذهب مع الحادثات غثاء، ولا نطير مع الزمان هباء.
الثلاثاء 17 شوال/أول أغسطس
الشباب الأبي
في الناس من يجري مع الصبا طلق الجموح، ويهون عليه مأثور القبيح كما قال أبو نواس، حتى إذا ذهبت قوته وذبلت نضرته، ارعوى عن غيه وندم على جهله.
وفي الناس من هو في قوته كما هو في ضعفه، وهو في شبابه كما هو في هرمه، وفي نضرته كما هو في ذبوله، تكبر نفسه أن يخضعها الجسم قويا وتخضعه ضعيفا. بل يصرف أموره على الحكمة لا الهوى، وعلى الرشد لا الغي، يستوي عنده الشباب والمشيب، والفقر والغنى، والوجد والعدم.
Página desconocida