سر الجهاد في هذه الحياة أمل يخلق، وعمل يحقق؛ رجاء يدعو إلى الغاية وعمل يسير على الطريق.
لا يعمل غير الآمل، ولا يأمل غير العامل. من يئس في معترك الحياة حار فارتبك، ووقف في المزدحم فهلك. ومن أمل ولم يعمل فأمله سراب، وعمره يباب، يعيش في الخيال ويطمح في المحال. فأمل ولا تيأس، واعمل ولا تبتئس، فما أمل الإنسان وعمل إلا بلغ ما أمل. قلب آمل، وعزم عامل هما مبدأ العيش ونهايته، وطريقه وغايته.
إنما أنار الهداة في ظلمات الحياة وحدوا القافلة إلى النجاة، بما أملوا والناس يائسون، ورجوا والناس مبلسون، وأبصروا والأفق مظلم، وأقدموا والسواد محجم. على ضوء الأمل رأوا الغاية والطريق، وبالعزم والكدح صحبهم النجح والتوفيق.
كم يائس رجع والمقصد قريب، ووقف والمطلب مكثب! وكم عاجز أمل وانتظر، وبائس أشفق من المشقة فعذر! حتى جاء طموح مقدام فأمل فعزم، وصمم فأقدم، فطوى الطريق إلى غايته، وقهر الصعاب إلى بغيته، فأوفى واليائسون ينظرون، وبلغ والعجزة يعجبون.
والآمال تختلف اختلاف الهمم، والأعمال تتفاوت تفاوت العزائم. من الآمال ما لا يحد، ومن العزائم ما لا ينفد . يمضي بهما المجاهد يرى البعيد قريبا، والعسير يسيرا، والصعب سهلا، بل لا يبصر إلا أمله، ولا يعرف إلا عمله، ثم لا يرى الدهر كله إلا أملا وعملا.
الجمعة 8 رمضان/23 يونيو
مرعى أثيث
رأينا هذه السنة مرائي معجبة بهيجة في الحجاز؛ كثر المطر فنبت المرعى، وكثر الزرع واخضر الشجر، ونبت العشب ونضرت الأرض، وزانها النور مختلفا ألوانه؛ فترى وجه الأرض مخضرا في الطريق بين مكة والمدينة وجدة، وما رأيته من قبل في حياة وبهجة وزينة كما رأيته بعد هذا المطر. بل ضحكت فرحا وعجبا حين رأيت الجبال الجرداء على مقربة من مكة يهتز عليها النبات ويموج مع الرياح!
ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة .
وقد دبت الحياة في البادية إنسها وعجماواتها، فرأيت القطعان سائمة مرحة سمينة. ولكن جدب السنوات لم يبق على الحيوان؛ فلم تجد هذه المراعي الأثيثة رعاءها. مررت السنة الماضية بدهبان على الطريق بين مكة والمدينة فرأيت الناس مجهودين يحدثون عن موت سوائمهم إلا ما ساقوه شطر الجنوب فأصاب المرعى، ورأيتهم هذه السنة عندهم البقول والبطيخ وعليهم آثار النعمة.
Página desconocida