فأما تكريم المرأة وتحريرها فقد سبق إليهما الإسلام سائر الأديان والشرائع . وأما تحريم تعدد الزوجات فهو ملائم لمقاصد الإسلام ما لم تدع إليه ضرورة، أو مصلحة للأمة. وأما منع زواج الأحداث فقد سبقت إليه مصر في غير خروج على الدين ولا مخالفة للشرع، وقد حرمه من قبل ملوك المسلمين في الهند حتى على غير المسلمين. وكذلك حق المرأة في الطلاق أقرته مصر مستمدة من الفقه الإسلامي لا من غيره، فللمرأة المسلمة في مصر أن ترفع أمرها إلى القاضي وتطلب التطليق وتبين مسوغاته، وللقاضي أن يطلق بعد النظر في حجة المرأة، وكثيرا ما طلق القضاة في مصر استجابة لطلب النساء. وأجاز الفقهاء أن تشترط المرأة حين العقد أن تطلق متى شاءت، وأجازوا لها بعد هذا الشرط أن تطلق بغير سبب، فليس في هذا كله ثورة على الشريعة أو إنالة المرأة ما لم تنله في الإسلام. ولكن المسلمين لا يعرفون الحق من شرعة الإسلام، وغير المسلمين بالجهل به أحرى، وهم فيه أوضح عذرا.
الخميس 17 رجب/4 مايو
سحر المرأة
نظرت في جريدة الأهرام اليوم إلى صور خمس نساء من نسائنا فنفرت من مرآهن لأول مرة، ثم عدت فسألت نفسي: ما هذا النفور؟ أهن دميمات؟ فتأملت في وجوههن فإذا وجوه مألوفة لا ينفر الرائي منها، وتأملت فإذا نفرتي من منظر ليس منظر نساء؛ ملابس لم تجعل للستر والصون، وشعر مشعث كرءوس الشياطين، ووقاحة في النظر لا يخالطها خفر النساء، وأصباغ ذهبت بجمال الخلقة وبعدت عن الطبيعة ... قلت: يا ويح للمرأة! لقد خدعت عن نفسها، وتزينت بما ليس بزينة، وخلعت حياءها؛ فخلعت جمالها وسحرها.
لو أن هؤلاء النسوة لبسن ملابس النساء وسفرن عن وجوه خفرات، كأنها أكرهت على السفور، يحيط بها ستر المرأة، ويغشى عليها سترها ودلالها، لبلغن من الروعة ومن إعجاب الرائي وتعظيمه ما فاتهن حين حسرن ونظرن غير خفرات ولا متصونات. وكم بذلن في هذا المرأى الذي حسبنه جميلا من عمل ووقت ومال، ثم ما ظفرن إلا بالبعد عن جمال المرأة وكرامتها، والبعد عن الفطرة التي كفلت للمرأة مكانتها وحرمتها، وما جنين إلا سوء الحال ونفور الرجال.
الجمعة 18 رجب/5 مايو
الحضارة الفاسدة
الإنسان في بداوته يصاحب الطبيعة، يتعرض لشمسها وهوائها، ويرد ماءها ويتتبع مراعيها، وينطلق في أرجائها يتخير منها مقامه ومرعاه. وهو كافل نفسه يحميها من حيوان أو لص، شاحذ قواه النفسية والبدنية ومهتد طريقه عارف مكانه وزمانه بالنظر في النجوم ومعالم الأرض.
والحضارة خير للإنسان إن أسكنته الدار، ولم تمنعه الشمس والهواء، وإن يسرت له الطعام والشراب، ولم تحرمه الحركة والنشاط، وإن حمته الوحش واللص، ولم تذهب بشجاعته وقوته واعتداده بنفسه، وإن آوته ولم تقطعه عن الخليقة المحيطة به؛ برها وبحرها وجبلها وسهلها، وكواكبها ونجومها.
لا أرى أضر بالإنسان من الحضارة الفاسدة؛ تنقله من سعة الطبيعة وشمسها وهوائها إلى الدور التي تشبه القبور، أو تقتله بالطعام والشراب والكسل والدعة والترف، أو تضعف حسه وعقله بالبعد عن مرائي الطبيعة ومسارحها في السماء والأرض، أو تذل نفسه وتحبس فكره وتذهب بكرامته بسلطان جائر وقانون فاسد.
Página desconocida