ومنها قول النبي ﷺ (انتدب الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلِى) (٢٠٧).
قلت: تضمني هذا الحديث ضمير غيبة مضافا إليه "سبيل" وضميري حضور، أحدهما في موضع جر بالباء، والآخر في موضع جر بإضافة "رسل".
وكان اللائق في الظاهر أن يكون بدل الياءين هاءان، فيقال: انتدب الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا إِيمان به وتصديق برسله. فلو قيل هكذا لكان مستغنيا عن تقدير وتأويل.
لكن مجيئه بالياء يحوج إلى التأويل (٢٠٨)؛ لأن فيه خروجًا من (٢٠٩) غيبة إلى حضور، على تقدير اسم فاعل من "القول" منصوب على الحال، محكى به النافي والمنفي وما يتعلق به. كانه قال: انتدب الله لمن خرج في سبيله قائلًا: لا يخرجه إلا إِيمان بي وتصديق (٢١٠) برسلي.
والاستغناء بالمقول النائب (٢١١) عن القول المحذوف، حالًا وغير حال كثير.
فمن حذفه وهو حال قوله تعالى ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾ (٢١٢). أي: قائلين ربنا تقبل منا. ومثله ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ﴾ (٢١٣) أي: قائلين سلام عليكم. ومثله
_________
(٢٠٧) صحيح البخاري ١/ ١٧.
(٢٠٨) (تبسط ابن مالك في توجيه ما في الحديث الشريف من خروج من ضمير الغيبة إلى ضمير الحاضر من الوجهة النحوية واللغوية، وتمحل التأويل الطويل، والذي أراه أن الحديث هو من باب "الالتفات" الذي يعقد له أصحاب البلاغة المباحث في كتبهم موضحين هذا الاسلوب من الوجهة المعنوية والجمالية. ينظر على سبيل المثال: المثل السائر، لابن الأثير ٢/ ١٧٠ - ١٩١ ..
(٢٠٩) بـ ج: عن.
(٢١٠) ج: أو تصديق. تحريف.
(٢١١) أ: الثابت. ج: الغائب. تحريف.
(٢١٢) سورة البقرة ٢/ ١٢٧.
(٢١٣) الرعد ١٣/ ٢٣ - ٢٤.
1 / 84