ومن الانفصال قوله ﷺ (ما من الناس من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث (١٩٤) إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم) (١٩٥).
فإن اختلفا وتقاربت الهاءان، نحو: أعطاهوها وأعطاهاه (١٩٦) ازداد إلانفصال حسنًا وجودة؛ لأن فيه تخلصًا (١٩٧) من قرب الهاء من الهاء، إذ ليس بينهما فصل إلا بالواو في نحو: أعطاهوها، وبالألف في نحو: أعطاهاه، بخلاف "أنضرهموها"، و"أنا لهماه" وشبهه.
ولترجيح الانفصال في نحو "أعطاهاه" جيء به دونَ الاتصال في قول القوم للرجل "ما أحسنت، سلتها إياه" ولم يقولوا: سألتهاه، ولو قيل لجاز.
فإن اختلف الضميران بالرتبة وقدم أقربهما رتبة جاز اتصال الثاني وانفصاله، نحو: أعطيتكه، وأعطيتك إياه.
والاتصال أجود، لموافقة (١٩٨) الأصل، ولان القرآن العزيز نزل به دون الانفصال، كقوله تعالى ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا﴾ (١٩٩).
وعليه جاء قول المرأة لرسول الله ﷺ "لأكسوكها". وقول الرجل له ﷺ "اكسنيها" [وقول الخضر ﵇ (يا موسى، إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه)] (٢٠٠).
وسيبويه يَرى الاتصال في هذه الأمثله ونحوها واجبا، والانفصال ممتنع (٢٠١).
والصحيح ترجيح الاتصال وجواز الانفصال. ومن شواهد تجويزه قول النبي ﷺ
(فإن الله ملككم إياهم، ولو شاء لملكهم إياكم) (٢٠٢).
ومما يراه سيبويه أيضًا أن ثاني الضميرين المنصوبين بـ "ظن" أو إحدى أخواتها
_________
(١٩٤) لم يبلغوا الحنث: ساقط من أب.
(١٩٥) الحديث في صحيح البخاري ٢/ ١١٩ برواية "ما من الناس مسلم ...، وينظر أيضًا ٥/ ٨٨.
(١٩٦) أ: وأعطاها هوه. تحريف.
(١٩٧) ج: مخلصا.
(١٩٨) بـ: لموافقته.
(١٩٩) الأنفال ٨/ ٤٣. وفي بـ: واذ يريكم. تحريف.
(٢٠٠) صحيح البخاري ١/ ٤١. وما بين المعقوفتين ساقط من ب.
(٢٠١) الكتاب ٢/ ٣٦٣ و٣٦٤.
(٢٠٢) لم أقف على الحديث فيما تيسر من كتب الحديث. وهو في شرح التسهيل لابن مالك ١/ ١٦٩ وشرح الألفية لابن الناظم ص ٢٤.
1 / 82