فقالت، وقد بغتت: «وكيف نصره، وفي انتصاره خروج هذه البلاد من يده لا محالة؟»
قال: «لا أظنه يجهل ذلك ولكنه فعله مضطرا بحكم الضرورة، ففضل أن تئول البلاد إلى أمير مسيحي من أن تئول إلى قوم غرباء دينا ووطنا، ولعله مطمئن لما يعلمه من اشتغال شارل بنقمة الأساقفة ثم إني لا أظنه قد نصره إلا مدفوعا بمشورة بعض ثقاته.»
قالت: «ومن يجرؤ على هذه المشورة من رجاله؟»
قال: «المشورة لم تأته من هذا المعسكر ولكنني علمت بكتاب جاءه في اليوم الذي سجنك فيه وفي ذلك الكتاب تحريض على استنجاد شارل، والظاهر أنه أثر فيه كثيرا فحالما قرأ الكتاب بعث وفدا إلى شارل يطلب إليه مساعدته في هذه الحرب فأتاه الجواب بالإيجاب.»
الفصل الثامن والأربعون
الاستطلاع
فلما سمعت قوله ثبت لديها أن المحرض على ذلك هو ميمونة، فاستعاذت بالله، ولكنها كتمت خواطرها وتجلدت؛ لأنها لم تكن تثق برودريك وهو لم يكاشفها بحقيقة أمره، فأحبت قبل الإفاضة في هذا الموضوع أن تستطلع الحقيقة، فقالت والاهتمام ظاهر على وجهها: «أراك يا رودريك قد كاشفتني بأمور ذات بال مما يدل على ثقتك في، فاعلم أن ثقتك في محلها وإذا كنت تؤمن بإخلاصي لك، فكن على يقين بأني باذلة نفسي في مكافأتك، على أني لا أزال أعلل نفسي بالاطلاع على حقيقة أمرك؛ لأني على ثقة أنك لست من أهل هذا المعسكر.»
قال: «لا ريب عندي في إخلاصك ولولا ذلك ما خاطبتك بما خاطبتك به، والأمر الذي تتمنينه هو الذي أتمناه أنا أيضا وهذا ما شجعني على هذه المكاشفة.»
فأدركت سالمة أنه على مبدئها، فازدادت ميلا إلى استطلاع حقيقته، فقالت: «فأطلعني على حكايتك لنتعاون على النجاة بإذن الله.»
قال: «ولكنني أطلب إليك أن تخبريني عن أمر لاحظته منك في أول ساعة خاطبتك فيها هل أسألك عنه؟»
Página desconocida