ثم مد يده إلى كمه وأخرج قارورة تفوح منها رائحة الطيب قوية، وقدمها إلى مريم وهو يقول: «وهذه قارورة من طيب خاص ليس مثلها عند أحد في هذا الخباء تطيبي بها وحدك، حتى إذا أتيت لزيارتك تنسمت ريحك قبل وصولي إليك فأستدل على وجودك قبل أن أراك، وأنت أيضا كلما شممت رائحة هذا الطيب تتذكرين قتيل هواك.» قال ذلك وعيناه تتلألآن من شدة الهيام، ونظر إليها نظر المحب الولهان.
فمدت يدها وتناولت القارورة وهي تبتسم، ثم تذكرت فراقه لها في تلك الساعة فانقبضت نفسها، فالتفتت نحو السماء وترقرقت في عينيها العبرات.
وكانت القهرمانة في أثناء ذلك الحديث قد استغرقت في النوم وهي جالسة؛ لأنه لا يهمها في هذا الاجتماع إلا ما نالته من التحف وما ترجوه من الهدايا المتواصلة، وبينما هي غارقة في أحلامها علت الضوضاء خارج الخباء فانتبهت فسمعت قرقعة اللجم ودبدبة الخيل فبغتت وبغت هانئ ومريم، وقبل أن تنهض سالمة سمعت أحد الغلمان يصيح في الخارج: «أين السيدة القهرمانة؟»
فنهضت القهرمانة وصاحت: «من يناديني؟» وخرجت فاستقبلها أحد الغلمان وهو يقول: «إن الأمير عبد الرحمن يدعوك إليه.»
فقالت وقد علتها الدهشة: «وأين هو؟» وهرولت نحو القاعة، فقال الغلام: «هو ينتظرك في القاعة.» فعادت إلى هانئ وقالت: «أسرع يا مولاي إلى جوادك وامض قبل أن يراك الأمير هنا فلربما شك في أمرك.»
فأكبر هانئ أن يخرج خروج الهارب فتجلد، وقال: «اذهبي أنت إليه ولا تخافي فإني خارج على مهل.»
الفصل العشرون
البغتة
فدخلت القهرمانة وقد أرادت أن ترسل مريم من باب آخر يؤدي إلى غرفتها وتسير هي توا إلى القاعة لمقابلة الأمير عبد الرحمن.
وخرج هانئ من الباب الخارجي وهو رابط الجأش حتى وصل إلى جواده، وهم بأن يركبه فلقي بجانب الجواد رجلا من ملازمي الأمير عبد الرحمن وقد أمسك بشكيمته، فلما دنا هانئ منه قال له: «إن الأمير يطلب إليك أن توافيه إلى خيمته في المعسكر فإنه عائد إليها على عجل.»
Página desconocida