Sharh Zad al-Mustaqni - Al-Shanqiti - Tafreegh
شرح زاد المستقنع - الشنقيطي - التفريغ
Géneros
الثناء على المؤلفات وحكمه
قال رحمه الله تعالى: [ومع صغر حجمه حوى ما يغني عن التطويل].
الغنى: الكفاية، تقول: هذا يغنيني، أي: يكفيني، وقد يطلق بمعنى حسن الصوت ومنه التغني، وقد يطلق بمعنى الإقامة ومنه قوله تعالى: ﴿كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ﴾ [يونس:٢٤] أي: لم تقم بمكانها، أي: يغني عن التطويل وهو الإسهاب، كما ذكرنا وهنا يرد إشكال وهو أن العلماء ﵏ قد تجد في كتبهم عبارات فيها ثناء على كتبهم، أو بيان لفضل هذه الكتب أو المؤلفات، وقد ثبت في دليل الشرع النهي عن تزكية النفس، فثناؤه على كتابه أليس من باب التزكية والمدح؟ والجواب أن التزكية والثناء على النفس لها أحوال: فإن تضمن ذلك الإدلال على الله -والعياذ بالله- وتزكية النفس على الله جل وعلا، فهذا -نسأل الله السلامة والعافية- هو المحرم ولا يجوز، كأن يثني الإنسان على نفسه بكثرة علم وعبادة تبجحًا ونوعًا من التفاخر والتعالي، وقد عاتب الله جل وعلا موسى ﵇ لما ذكر علمه وهو عالم، ولم يكن تفاخرًا، فكيف بمن فعل ذلك تفاخرًا؟! وذكر الله أن الذين أهلكم من شأنهم أنهم فرحوا بما عندهم من العلم فالفرح بما عند الإنسان من العلم لا يؤمن معه أن يمكر الله به -والعياذ بالله- كما يقول العلماء، فلا تفرح بعلم إلا من باب الفرح برحمة الله.
وإن كانت التزكية على سبيل معرفة الحق والترغيب فيه، كأن تقول: تعلمت هذا العلم من العلماء، أو أفتيتك بهذه الفتوى عن العلماء، أو هذا الأمر الذي ذكرته لك موروث من الكتاب والسنة، أو تثني على شيء حينما ترى استخفاف الناس به، فهذا فعله الصحابة، كما قال أبو العباس سهل بن سعد الساعدي ﵁: (ما بقي أحد أعلم بمنبر النبي ﷺ مني)، فهذا نوع من الثناء على نفسه بالعلم حتى يقدر قدره، فأجاز العلماء أن يثني الإنسان على نفسه بمعرفة قدره، وقد قال تعالى حكاية عن يوسف ﵇: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف:٥٥]، فإذا كان الإنسان عنده حق العلم ومن باب معرفة قدره فلا حرج، فهذا من باب الترغيب والتشويق في علمه، ونرجو أن لا يكون من باب التزكية والثناء، وإنما أراد به أن يعرف قدر هذا العلم الذي تعلمه، وحق لمثله، فإنك إن تعلمت علمًا، ووفقك الله فيه فمن حقك أن تظهر للناس فضل هذا العلم.
2 / 10