Comentario sobre los Cinco Principios
Géneros
تحركه. لا يجوز أن تكون الرؤية علقها باستقرار الجبل ، لأن الجبل قد استقر ولم ير موسى ربه ، فيجب أن يكون قد علق ذلك باستقرار الجبل بحال تحركه ، دالا بذلك على أن الرؤية مستحيلة عليه ، كاستحالة استقرار الجبل حال تحركه. ويكون هذا بمنزلة قوله تعالى : ( ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ).
ومما يتعلقون به ، قوله تعالى : ( تحيتهم يوم يلقونه سلام ) [الأحزاب : 44] وقوله تعالى : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ) [الكهف : 110] إلى غير ذلك من الآيات التي ذكر فيها اللقاء.
والأصل في الجواب عن ذلك أن اللقاء ليس هو بمعنى الرؤية ، ولهذا استعمل أحدهما حيث لا يستعمل الآخر ، ولهذا فإن الأعمى يقول : لقيت فلانا وجلست بين يديه وقرأت عليه ، ولا يقول رأيته. وكذلك فقد يسأل أحدهم غيره هل لقيت الملك؟ فيقول : لا ، ولكن رأيته على القصر. فلو كان أحدهما بمعنى الآخر لم يجز ذلك ، فثبت أن اللقاء ليس هو بمعنى الرؤية ، وأنهم إنما يستعملونه فيها مجازا ، وإذا ثبت ذلك ، فيجب أن نحمل هذه الآية على وجه يوافق دلالة العقل فنقول : المراد بقوله تعالى : ( تحيتهم يوم يلقونه سلام ) [الأحزاب : 44] أي يوم يلقون ملائكته ، كما قال في موضع آخر ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ) [الرعد : 23 ، 24].
وأما قوله عز وجل ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ) [الكهف : 110] أي ثواب ربه ، ذكر نفسه وأراد غيره. كما قال في موضع آخر ( وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ) [غافر : 42] أي إلى طاعة العزيز الغفار ، ( وقال إني ذاهب إلى ربي ) أي إلى حيث أرني ربي. وكقوله ( وجاء ربك ) [الفجر : 22] أي وجاء أمر ربك. وقوله ( وسئل القرية ) يعني أهل القرية. ونظائر هذا أكثر من أن تحصى.
وبعد ، فلو كانت هذه الآية دالة على أن المؤمنين يرون الله تعالى ، لوجب في قوله ( فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه ) [التوبة : 77] أن يدل على أن المنافقين أيضا يرونه ، وهم ما لا يقولون بذلك. فليس إلا أن الرؤية مستحيلة على الله تعالى في كل حال ، وأن لقاءه في هذه الآية محمول على عقابه ، كما في تلك الآية محمول على لقاء ثواب الله أو لقاء الملائكة.
وفي الحكاية أن قاضيا من القضاة استدل بقوله عز وجل : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه ) [الكهف : 110] على أنه تعالى يرى ، فاعترض عليه ملاح فقال : ليس اللقاء بمعنى
Página 178