Sharh Thalathat al-Usul by Khalid al-Muslih
شرح ثلاثة الأصول لخالد المصلح
Géneros
أمرا لله جميع الناس باتباع ملة إبراهيم
ثم قال في بيان مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ: [أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ مُخْلِصًا له الدين]، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [البقرة:١٣٥] لا قولًا، ولا اعتقادًا، ولا عملًا، ولا حالًا، ولا مآلًا، فإنه ليس منهم في شيء، ولذلك قال في بيان ملة إبراهيم: [أن تعبد الله وحده] وأكد ذلك بقوله: [مخلصًا له الدين] أي: مُخَلِّصًا له العمل من كل شائبة شرك تجعل فيه لغير الله نصيبًا، فقوله: [مخلصًا له الدين] أي: العمل والعمل عمل القلب والجوارح، وليس الجوارح فقط.
قال: [وَبِذَلِكَ أَمَرَ اللهُ جَمِيعَ النَّاسِ وَخَلَقَهُمْ لَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:٥٦]] وهذا دليل على الغاية من الخلق، وبدأ في الاستدلال بالغاية لكون الله جل وعلا أخبر الخلق بأنه إنما خلقهم ليعبدوه، وليدل على أنه يجب عليهم أن يعبدوه وحده لا شريك له، وإلا لما حققوا ما من أجله خلقوا، فهو دال على الأمرين: على أن هذا هو الغاية من الخلق، وعلى أن الله أمرهم به، بعبادته وحده ﷾.
وأما كون ذلك أمرًا لجميع الناس فلأن هذا هو الغاية من خلق جميع الناس، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:٥٦] أي: إلا من أجل عبادته وحده، واللام هنا لام التعليل وليست لام العاقبة والصيرورة، لأنه من المعلوم أن أكثر الخلق ليسوا على هذا الأمر، ولم يحققوا هذه الغاية، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام:١١٦] وقال تعالى -في سورة الشعراء في ذكر القصص-: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء:٨] وقال تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ:١٣] وكل هذه الأدلة تدل على أن اللاّم هنا لام التعليل الغائية، لا لام التعليل الفاعلة، أي: التي هي للعاقبة والصيرورة، وانظر كيف جاء الخبر عن هذه الغاية بأسلوب النفي والاستثناء الذي يفيد الحصر، وأنه لم يخلقهم لشيء آخر، وإنما خلقهم لهذه الغاية.
1 / 19