114
قوله: وأما برده قليلًا يشغله كثرة ما يتأدى إليه من قوى حركات الأعضاء وانفعالات الحواس، وحركات الروح كل عضو خلق لفعل فإن مزاجه يجب أن يكون مما يعين على ذلك الفعل على ذلك الفعل مثال ذلك القلب فإنه لما كان فعله توليد الروح الحيواني وذلك إنما يمكن بأن يكون في الحرارة بحيث يبخر الدم الواصل إليه من الكبد حتى يصعد ذلك الدم إلى الرئة، ويخالط ما فيها من الهواء المثبوت في جرمها فيحصل من المجموع مادة تصلح لأن يتكون منها الروح إذا حصلت تلك المادة في التجويف الأيسر من تجويفي القلب لذلك احتيج أن يكون مزاج القلب شديد الحرارة، وكذلك العظم لما احتيج إليه ليكون للبدن كالأساس والدعامة والدماغ وجب أن يكون شديد الصلابة، وإنما يمكن ذلك إذا كانت الأرضية فيه كثيرة جدًا ويلزم ذلك أن يكون مزاجه باردًا يابسًا هذا إذا كان الفعل لذلك العضو. أما إذا كان لغيره وتأثير ذلك الفعل يصل إلى عضو آخر كان ذلك العضو ليس يجب فيه أن يكون على مزاج يعين على ذلك الفعل بل قد يجب أن يكون على مزاج ينافيه فعل الدماغ، فإنه لما كان يتسخن بأفعال أعضاء وأرواح وكان إفراط ذلك التسخن يلزمه الإضرار به جدًا، وجب أن يكون مزاجه مزاجًا ينافي الإفراط في ذلك التسخين. وإنما يكون ذلك بأن يكون مزاجه باردًا فإن البارد غير مستعد للتسخن الكثير، وإن كان فعله قويًا، ولذلك وجب أن يكونه مزاج الدماغ باردًا، وكذلك نقول في الرطوبة. وإنما يمكن ذلك إذا كان ذلك العضو لا يتضرر في أفعاله بذلك المزاج مثل الدماغ فإن فعله تعديل الروح الحيواني حتى يصير صالحًا لصدور الأفعال النفسانية عنه فإنما يتم ذلك بأن يكون مزاجه باردًا رطبًا فإن الروح الحيوانية ذات حرارة، وقلة رطوبة ولا كذلك القلب فإنه وإن كان يتسخن بكثرة حركاته، وحركات الشرايين المتصلة به ونحو ذلك فإن مزاجه لا يمكن أن يجعل باردًا، وإلا كان ذلك مضرًا له في فعله الذي هو توليد الروح، فلذلك خلق حار المزاج، وجعل له ما يمنع إفراط تسخنه، وذلك بأن يجعل الهواء يصل المبرد إليه في أزمان متقاربة جدًا ليمنع إفراط تسخينه. قوله: ليحسن تشكله واستحالته بالمتخيلات هذا إنما يجب أن تكون معه الرطوبة إذا كان التشكل واقعًا في العضو نفسه. أما إذا كان في الروح المحوية فيه، فإن ذلك مما لا يلزم البتة والتشكل الواقع عند التخيل والإدراك ونحوهما إنما هو في الروح لا في جرم الدماغ، فلذلك لا يلزم بسبب ذلك أن يكون رطبًا. قوله: أما الدسومة فليكون ما ينبت منه من العصب علكًا. قد بينا فيما سلف من كلامنا في الأمور الطبيعية أن العصب لا ينبت من الدماغ البتة، والعلك هو اللدن الذي مع لدونته لين. قوله: وليكون الروح الذي يحويه الذي يفتقر إلى سرعة الحركة ممدًا برطوبته الروح الذي يحويه الدماغ يحتاج إلى سرعة الحركة، وأما الروح المتحرك بالإرادة فليكون للإنسان متى أراد تحريك عضو تحرك ذلك الروح من الدماغ إلى العضل المحرك لذلك العضو في زمان لا تحس قدره. وأما الروح المفكر، فليكون للإنسان متى أراد الفكر في أمر تحرك ذلك الروح إلى التفتيش في المخزون في الخيال وفي الحافظة ليقع بسرعة على الأمر الذي يتوصل به إلى المطلوب وسرعة حركة الروح يحتاج فيه إلى رقة قوام ذلك الروح، وقلة برودته. فإن غلظ القوام مانع من سرعة النفوذ، وكذلك زيادة البرد، فإن البرودة منحدرة مانعة من سرعة الحركة والحرارة معينة على ذلك، وإنما يكون الروح لطيف القوام إذا كان الغالب عليه الجوهر الهوائي. وذلك إنما يوجب الرطوبة التي هي بمعنى سرعة الانفعال لا الرطوبة البالة المائية، ورطوبة الدماغ إنما تكون بكثرة مائيته، فلذلك يكون ترطيبها للروح إنما يكون بمعنى الرطوبة البالية، وذلك مانع من سرعة الحركة فلذلك قوله إن رطوبة الدماغ مما يعين على سرعة حركة الروح مما لا يصح بوجه.

1 / 114