شرح شروط الصلاة وأركانها وواجباتها لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب
شرح شروط الصلاة وأركانها وواجباتها لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب
Editorial
بدون ناشر فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية
Número de edición
الطبعة الأولى ١٤٢٥هـ
Ubicación del editor
الرياض
Géneros
مقدمة
...
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فهذا شرح لرسالة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ﵀ المشتملة على شروط الصلاة وأركانها وواجباتها؛ فأقول: قد اشتملت هذه الرسالة على شروط الصلاة التسعة وأركانها الأربعة عشر وواجباتها الثمانية، وعند ذكره ﵀ الشرط الرابع من شروط الصلاة وهو رفع الحدث ذكر شروط الطهارة العشرة وفروض الوضوء الستة، وواجبه الذي هو التسمية مع الذكر ونواقضه الثمانية، وفي كلامه على أركان الصلاة فسر سورة الفاتحة باختصار وشرح ألفاظ الاستفتاح والتشهد.
1 / 3
شروط الصلاة
الشروط جمع شرط، والشرط هو الذي يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود، والمعنى أنه يلزم من كون الإنسان غير متطهر ألا تصح له صلاة، لأن شرط الصلاة الطهارة، لقوله ﷺ: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ". رواه البخاري (٦٩٥٤) ومسلم (٥٣٧) عن أبي هريرة.
وقد يتوضأ الإنسان ثم يحدث دون أن يصلي صلاة بذلك الوضوء، فلا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة.
قوله: " الشرط الأول: الإسلام، وضده الكفر، والكافر عمله مردود ولو عمل أي عمل، والدليل قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ [التوبة:١٧]، وقوله: ﴿وَقَدِمْنَا
1 / 4
إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان: ٢٣]
كل عمل يتقرب به إلى الله في هذه الأمة لا ينفع صاحبه إلاّ إذا كان مسبوقًا بشهادة ألا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله، ومبنيًا عليهما، فلابد من إخلاص العمل لله وهو مقتضى شهادة ألا إله إلا الله، ولابد من متابعة رسول الله ﷺ وهو مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله ﷺ، وكل عمل يعمله الكافر فإنه لا ينفعه عند الله ﷿، لفقده شرط الإسلام، وقد استدل الشيخ ﵀ لرد أعمال الكفار وعدم قبولها منهم بالآيتين من سورة التوبة وسورة الفرقان، لأن آية التوبة ختمت ببيان حبوط أعمال الكفار، وآية الفرقان بيّنت أن أعمالهم لا عبرة بها، وأنها مثل الهباء المنثور أي بطلت واضمحلت.
قوله: [الثاني: العقل، وضده الجنون، والمجنون مرفوع
1 / 5
عنه القلم حتى يفيق، والدليل حديث: "رفع القلم عن ثلاثة، النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ"] .
لابد للمصلي في صلاته أن يكون حاضر العقل ليس فاقدًا له بجنون أو سكر، لأن المجنون مرفوع عنه القلم غير مكلف، والسكران أفقد نفسه عقله فألحقها بالمجانين، فلا يعقل صلاته، وقد استدل الشيخ ﵀ بحديث "رفع القلم عن ثلاثة" وهو حديث صحيح أخرجه أبو داود (٤٣٩٨) والنسائي (٣٤٣٢) وابن ماجه (٢٠٤١) من حديث عائشة ﵂، وانظر إرواء الغليل للألباني (٢٩٧) .
قوله: [الثالث: التمييز، وضده الصغر، وحدّه سبع سنين، ثم يؤمر بالصلاة لقوله ﷺ: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع"] .
1 / 6
إذا بلغ الصغير سن التمييز وهو سبع سنين أمر بالصلاة ليس على سبيل الإيجاب، لأن الوجوب إنما يكون بعد البلوغ، وأمره بالصلاة في هذه السن ليتعود على الصلاة والاتيان بها على الوجه المشروع، وإذا بلغ عشر سنين تأكّد أمره بها وأدّب على ذلك بالضرب غير المبرح لقوله ﷺ: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع"، وهو حديث صحيح أخرجه أحمد (٦٧٥٦) (٦٦٨٩) وأبو داود (٤٩٥) من حديث عبد الله بن عمرو ﵄، وأخرجه أبو داود (٤٩٤) من حديث سبرة بن معبد الجهني ﵁ وانظر إرواء الغليل (٢٤٧) .
قوله: [الشرط الرابع: رفع الحدث، وهو الوضوء المعروف، وموجبه الحدث] .
الحدث: هو كل خارج من السبيلين وكذا أي ناقض للوضوء، والحدث هو الذي يوجب الوضوء،
1 / 7
والحدث حدثان: حدث أكبر وهو ما يوجب الغسل وهو الجنابة والحيض والنفاس، وحدث أصغر وهو ما يوجب الوضوء، ورفع الحدث يكون بالغُسل والوضوء لمن وجد الماء أو قدر على استعماله، فإذا لم يوجد الماء أو وجد ولكن لم يُقدر على استعماله انتُقل إلى رفع كل من الحدث الأكبر والأصغر بالتيمم، وإذا تيمم للحدث الأكبر ثم وجد الماء اغتسل لقوله ﷺ: "إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير". أخرجه الترمذي (١٢٤) وغيره عن أبي ذر ﵁، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وانظر إرواء الغليل (١٥٣)، وإذا اغتسل من عليه حدث أكبر ونوى رفع الحدث الأكبر والأصغر ارتفعا، أما إذا أفاض الماء على جسده في غسل الجمعة أو التبرد ونوى رفع الحدث الأصغر فإنه لا يرتفع، لأن هذا الاغتسال ليس فيه رفع حدث.
1 / 8
شروط الوضوء
قوله: [وشروطه عشرة: الإسلام، والعقل، والتمييز، والنية، واستصحاب حكمها، بأن لا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة، وانقطاع موجب، واستنجاء أو استجمار قبله، وطهورية ماء، وإباحته، وإزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة، ودخول وقت على من حدثه دائم لفرضه] .
تقدّم الكلام على شروط الإسلام والعقل والتمييز، وأما شرط النية فإنه عند وضوئه ينوي بقلبه رفع الحدث ولا يتلفظ بلسانه، وكذا في جميع العبادات ينوي بقلبه ولا يتلفظ بلسانه إلاّ في الحج والعمرة فله أن يتلفظ بما نواه فيقول: لبيك عمرة، أو لبيك حجًّا أو لبيك حجًّا وعمرة، ولو غسل وجهه عند قيامه من النوم لا يريد الوضوء ثم بدا له أن يتوضأ فإنه يلزمه أن يغسل وجهه للوضوء ولا يكتفي بغسله السابق لعدم وجود نية الوضوء عند ذلك الغسل، ولو اغتسل
1 / 9
من عليه جنابة للتبرد ناسيًا الجنابة فإنه لا يجزئه عن غُسل الجنابة لعدم وجود النية، ومع نية الطهارة يستصحب حكمها حتى تتم الطهارة، فلو نوى قطع النية في أثناء الوضوء ثم أراد إكمال الوضوء فليس له ذلك بل يتعين عليه البدء بالوضوء من أوله، ولا يكمل ما بقي عليه لأنه قد ألغى ما حصل منه، وهذا هو الشرط الخامس، والشرط السادس انقطاع موجب، أي انقطاع موجب الوضوء وهو الحدث، وذلك بأن ينتظر عند قضاء حاجته حتى انقطاع ما يخرج من السبيلين فلا يشرع في الوضوء قبل الانقطاع.
والشرط السابع: الاستنجاء أو الاستجمار قبل الوضوء، وهذا إذا كان الخارج من السبيلين بولًا أو غائطًا، أما خروج الريح فإنه لا استنجاء ولا استجمار فيه، والاستجمار يغني عن الاستنجاء إذا لم يتجاوز الخارج موضع العادة، فإن تجاوزه احتيج مع ذلك إلى الاستنجاء لإزالة النجاسة.
1 / 10
والشرط الثامن: طهورية ماء وإباحته وهما شيئان، والشيخ ﵀ جعل الشروط عشرة وذكر بعد هذا شرطين، وعلى هذا يكون اعتبر الطهورية والإباحة شرطًا واحدًا، ويشترط في ماء الوضوء أن يكون طهورًا فلا يتطهر بماء متنجس، وأن يكون الماء مباحًا ليس مغصوبًا، وهذا الأخير محل خلاف وفي اشتراطه نظر، والأظهر أن من توضأ بماء مغصوب فالوضوء صحيح، وهو آثم على الغصب، ومثله من صلى في أرض مغصوبة، أو صلى في ثوب حرير فإن صلاته صحيحة، وهو آثم في الغصب وفي لبس الحرير.
والشرط التاسع: إزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة فلابد في الوضوء من وصول الماء إلى أعضاء الوضوء، ويجب إزالة مايمنع وصوله إليها كالطين والعجين والطلاء ونحو ذلك مما يغطي البشرة، أما ما يغير اللون ولا يغطي البشرة كالحناء فإن ذلك لا يؤثر.
1 / 11
والشرط العاشر: دخول وقت على من حدثه دائم لفرضه، والمعنى أن من كان به سلس بول أو تخرج منه الريح باستمرار وكذا المرأة المستحاضة، فإن هؤلاء يتوضؤون عند دخول الوقت لكل صلاة مفروضة، فلو توضأ أحدهم لصلاة الظهر بعد دخول وقتها وصلاها ثم دخل عليه وقت العصر، فلا يصلي العصر بوضوء الظهر، بل عليه أن يتوضأ بعد دخول العصر لصلاة العصر، ويدل لذلك أمره ﷺ لفاطمة بنت أبي حبيش - وكانت مستحاضة - أن تتوضأ لكلِّ صلاة، أخرجه البخاري (٢٢٨) من حديث عائشة ﵂.
فروض الوضوء قوله: [وأما فروضه فستة: غسل الوجه - ومنه المضمضة والاستنشاق - وحدّه طولًا: من منابت شعر الرأس إلى الذقن، وعرضًا: إلى فروع الأذنين،
فروض الوضوء قوله: [وأما فروضه فستة: غسل الوجه - ومنه المضمضة والاستنشاق - وحدّه طولًا: من منابت شعر الرأس إلى الذقن، وعرضًا: إلى فروع الأذنين،
1 / 12
وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح جميع الرأس - ومنه الأذنان - وغسل الرجلين إلى الكعبين والترتيب والموالاة، والدليل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (﴾ [المائدة:٦]، ودليل الترتيب حديث: "ابدؤا بما بدأ الله به"، ودليل الموالاة حديث صاحب اللمعة: عن النبي ﷺ أنه لما رأى رجلًا في قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره بالإعادة] .
صفة الوضوء جاءت مبينة في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ففي كتاب الله ﷿ جاءت في سورة المائدة في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (﴾ [المائدة:٦]، ومعنى قوله: (إذا قمتم إلى الصلاة) أي: أردتم القيام لها وأنتم
1 / 13
على غير طهارة، مثل قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل:٩٨]، أي: إذا أردت القراءة، وأما سنة الرسول ﷺ فقد جاءت من قوله وفعله ﷺ ومن ذلك: عن حمران مولى عثمان بن عفان أنه رأى عثمان دعا بوَضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسَلَهما ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاثًا، ثم مسح برأسه، ثم غسل كل رجل ثلاثًا، ثم قال: رأيت النبي ﷺ يتوضأ نحو وضوئي هذا، وقال: "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه". رواه البخاري (١٦٤) ومسلم (٢٢٦)، وغسل الأعضاء ثلاثًا هو الوضوء الكامل، ولا يجوز الزيادة على ذلك، وقد جاء الوضوء مرتين مرتين ومرة مرة، والوضوء الواجب مرة واحدة
1 / 14
مستوعبة جميع أعضاء الوضوء، وفروض الوضوء ستة:
الأول: غسل الوجه، وحدّه طولًا من منابت شعر الرأس إلى ما استرسل من اللحية، وعرضًا: ما دون الأذنين، والأذنان في الوضوء من الرأس فتمسحان، وليستا من الوجه فتغسلان، وتخليل اللحية مستحب، والواجب في غسل الوجه غسل ما به المواجهة، فلا يدخل في ذلك تخليل اللحية، ويدخل في غسل الوجه المضمضة والاستنشاق، كما جاء ذلك مبينًا في حديث عثمان ﵁ وغيره.
الثاني: غسل اليدين إلى المرفقين: وذلك من أطراف الأصابع إلى نهاية المرفقين، والمرفقان داخلان في الغسل، ولا يكفي في غسل الكفين في الوضوء غسلهما قبل بدء الوضوء، لأن ذلك مستحب إلاّ عند القيام من النوم، فإنه واجب، وغسل اليدين يكون بعد غسل الوجه، فلا يكفي ما كان قبله.
1 / 15
الثالث: مسح الرأس: ويكون مرّة واحدة يبدأ فيها من مقدّم رأسه إلى مؤخره ثم يعود إلى المكان الذي بدأ منه، وما استرسل من شعر المرأة فإنه لا يمسح، بل يكتفى بالمسح إلى مؤخر الرأس ويمسح مع الرأس الأذنان.
الرابع: غسل الرجلين إلى الكعبين: والكعبان داخلان في الغسل، وفي كل رجل كعبان، وليس المراد بالكعبين العظمين الناتئين في ظهر القدم كما يزعمه بعض فرق الضلال، فيمسحون إليهما، فإن فرض الرجلين الغسل وليس المسح، وقد دلت قراءة ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ بفتح اللام، وسنة الرسول ﷺ التي بينت صفة الوضوء على ذلك، وأما قراءة الكسر في ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ فهي محمولة على الغسل الخفيف جمعًا بين القراءتين، والاعتماد عليها وترك غسل الرجلين الذي دلت عليه قراءة النصب، ودلت
1 / 16
عليه السّنّة هو من اتباع المتشابه وترك المحكم، ويكفي في معرفة ضلال من ضل عن الحق في مسألة غسل الرجلين والاكتفاء بمسح ظهورهما، أنهم حرموا أنفسهم سيما التحجيل التي قال فيها النبي ﷺ: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء". أخرجه البخاري (١٣٦) ومسلم (٥٨٠) عن أبي هريرة، وأنهم عرّضوا أنفسهم للوعيد الذي جاء في قوله ﷺ: "ويل للأعقاب من النار". أخرجه البخاري (١٦٥) ومسلم (٢٤٢) عن أبي هريرة ﵁.
الخامس: الترتيب: فيجب غسل أعضاء الوضوء على الترتيب الذي جاء في الآية، وجاء في فعله ﷺ في وضوئه فلا يجوز أن يقدم غسل اليدين على غسل الوجه، ولا مسح الرأس على غسل اليدين وهكذا، أما لو غسل اليد اليسرى قبل اليمنى أو الرجل اليسرى قبل اليمنى فإن الوضوء صحيح إجماعًا، وهو
1 / 17
خلاف الأولى، قال الحافظ ابن حجر في الفتح (١/٢٧٠): قال النووي: "قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين، وما كان بضدهما استحب فيه التياسر، قال: وأجمع العلماء على أن تقديم اليمين في الوضوء سنّة، من خالفها فاته الفضل وتمَّ وضوءه"، ثم نقل عن ابن قدامة في المغني أنه قال: لا نعلم في عدم الوجوب خلافًا.
وقد استدل الشيخ ﵀ للترتيب بحديث: "ابدؤا بما بدأ الله به"، قال ﷺ ذلك عندما بدأ بالصفا في سعيه، والحديث بلفظ الأمر جاء في سنن النسائي (٢٩٦٢) وهو في صحيح مسلم (٢٩٥٠) بلفظ الخبر وهو من حديث جابر الطويل في صفة حجه ﷺ، وفيه: "فلما دنا من الصفا قرأ ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾، "أبدأ بما بدأ الله به"، فبدأ
1 / 18
بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت"، وانظر إرواء الغليل (١١٢٠)، ومعنى قوله ﷺ: "أبدأ بما بدأ الله به" أن الله لما ذكر الصفا والمروة قدّم الصفا على المروة، فما بدأ الله به ذكرًا بدأ به رسول الله ﷺ بالسعي فعلًا.
السادس: الموالاة: وهو أن يوالي بين الأعضاء في الغسل فلا يغسل بعضها ثم ينشغل عن الاستمرار في الوضوء، إلاّ إذا كان الانشغال لعارض يسير كفتح باب قريب فإنه لا يؤثر، ويدل لوجوب الموالاة حديث عمر بن الخطاب ﵁: "أن رجلًا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه، فأبصره النبي ﷺ فقال: "ارجع فأحسن وضوءك"، فرجع ثم صلّى". أخرجه مسلم (٢٤٣)، وحديث رجل من أصحاب النبي ﷺ: "أن النبي ﷺ رأى رجلًا يصلي، وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي ﷺ أن يعيد الوضوء
1 / 19
والصلاة". أخرجه أبو داود (١٧٥) وانظر إرواء الغليل (٨٦)، ووجه الاستدلال من هذين الحديثين على وجوب الموالاة أن النبي ﷺ لم يأمر من أبصر على قدمه شيئًا لم يصبه الماء بغسل ذلك الذي لم يصبه الماء بل أمره بإعادة الوضوء، ولو كانت الموالاة غير واجبة كفاه أن يغسل الموضع الذي لم يصبه الماء.
حكم التسمية في الوضوء قوله: [وواجبه التسمية مع الذكر] . هذا أحد الأقوال في المسألة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وممن قال به الحسن وإسحاق، والقول الثاني أن التسمية مستحبّة، وهو قول جمهور العلماء، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، ذكر ذلك في المغني (١/١٤٥)، وقد ورد في التسمية في الوضوء حديث: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". أخرجه أبو داود (١٠١) وغيره عن أبي هريرة ﵁، وذكر الشيخ
حكم التسمية في الوضوء قوله: [وواجبه التسمية مع الذكر] . هذا أحد الأقوال في المسألة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وممن قال به الحسن وإسحاق، والقول الثاني أن التسمية مستحبّة، وهو قول جمهور العلماء، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، ذكر ذلك في المغني (١/١٤٥)، وقد ورد في التسمية في الوضوء حديث: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". أخرجه أبو داود (١٠١) وغيره عن أبي هريرة ﵁، وذكر الشيخ
1 / 20
الألباني أنه حسن وقال: "وقد قوّاه الحافظ المنذري والعسقلاني وحسّنه ابن الصلاح وابن كثير والعراقي"، انظر إرواء الغليل (٨١)، واختيار الشيخ القول بالوجوب مع الذكر، فيه الاحتياط والخروج من الخلاف، ونظير ذلك ما قاله ﵀ في أدب المشي إلى الصلاة: "وتجزىء تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع، لفعل زيد بن ثابت وابن عمر، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة، وإتيانه بهما أفضل، خروجًا من خلاف من أوجبه".
نواقض الوضوء قوله: [ونواقضه ثمانية: الخارج من السبيلين، والخارج الفاحش النجس من الجسد، وزوال العقل، ومس المرأة بشهوة، ومس الفرج باليد قبلًا كان أو دبرًا، وأكل لحم الجزور، وتغسيل الميت، والردّة عن الإسلام - أعاذنا الله من ذلك -] .
نواقض الوضوء قوله: [ونواقضه ثمانية: الخارج من السبيلين، والخارج الفاحش النجس من الجسد، وزوال العقل، ومس المرأة بشهوة، ومس الفرج باليد قبلًا كان أو دبرًا، وأكل لحم الجزور، وتغسيل الميت، والردّة عن الإسلام - أعاذنا الله من ذلك -] .
1 / 21
أوّل نواقض الوضوء، الخارج من السبيلين: وهو كل خارج منهما من غائط أو بول أو ريح أو دم أو مني أو مذي أو غير ذلك، قال ﷺ: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ". أخرجه البخاري (٦٩٥٤) ومسلم (٥٣٧) عن أبي هريرة ﵁.
والثاني: الخارج الفاحش النجس من الجسد: اختلف العلماء في الدم الخارج من غير السبيلين هل ينقض الوضوء أو لا؟ وقد ذهب بعض أهل العلم إلى عدم نقض الوضوء به لأنه لم يثبت في ذلك شيء عن رسول الله ﷺ، وذهب بعض أهل العلم إلى حصول النقض بما كان كثيرًا فاحشًا منه، وقد جاء ذلك عن بعض الصحابة والتابعين، وهو الذي اختاره الشيخ ﵀ هنا، وهو أخذ بما فيه الاحتياط والخروج من الخلاف. انظر المغني (١/٢٤٧)، ومجموع فتاوى الشيخ
1 / 22