شرح صحيح البخاري - أسامة سليمان
شرح صحيح البخاري - أسامة سليمان
Géneros
باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة
قال البخاري ﵀: [باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة].
إذا كنت تصلي وتضع خطام الدابة في يدك، وتصلي واضعًا اليمنى على اليسرى وتربط الدابة، ثم انفلتت منك الدابة في اتجاه القبلة، أو رأيت لصًا يأخذ حذاءك، فهل يجوز أن تخرج من الصلاة لتلحق باللص وتأخذ الحذاء؟ أو أخذ ثوبك أو حقيبتك أو مالك؟ هل يجوز اللحوق به وترك الصلاة؟
الجواب
نعم يجوز ذلك.
قال البخاري ﵀: [قال قتادة: إن أخذ ثوبه يتبع السارق ويدع الصلاة].
لأن هذا الثوب فيه ضياع للمال، ولكن إن استطعت أن تمسك به وأنت في اتجاه القبلة مع حركة يسيرة فلا بأس، وبذلك لا تخرج من الصلاة، أما إن انفلت وأدرت ظهرك للقبلة ووليت فلا بد أن تستأنف الصلاة، فالأمر يختلف.
وهذا الحديث يدل على جواز العمل في الصلاة، والحفاظ على المال واجب، لكن هب أن حريقًا أو غريقًا بجوار المصلين، فهذا لا يخرج إليه إلا طائفة وهي التي تستطيع، وهذا فرض كفاية.
قال البخاري ﵀: [حدثنا الأزرق بن قيس قال: كنا بالأهواز -مكان بالعراق- نقاتل الحرورية].
والحرورية هم الخوارج، يسمون بهذا الاسم، وفي كل زمن خوارج، من عقيدتهم: أنهم يكفّرون المسلم بالمعصية، ويحكمون عليه بالخلود في النار، ويستبيحون دماء الموحدين، ويخرجون على ولي الأمر دون مسوغ شرعي، وهذا الخروج لا يجوز بحال، فهؤلاء هم الخوارج.
قال: [كنا في قتال مع الخوارج، فبينما أنا على جرف نهر -أي: جانب أو حافة نهر- إذا رجل يصلي، وإذا لجام دابته بيده، فجعلت الدابة تنازعه -أي: تتحرك من بين يديه- وجعل يتبعها] والمعنى: أن الدابة نزعت الخطام من يده وتحركت قليلًا إلى الأمام فتحرك خلفها وهو يصلي، وأخذ الدابة وتقهقر إلى الخلف وأكمل الصلاة، فرآه رجل من الخوارج -والذي فعل ذلك صحابي اسمه أبو برزة الأسلمي - قال: [فجعل رجل من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا الشيخ، فلما انصرف الشيخ قال: إني سمعت قولكم]؛ أي: أن هذا الخارجي جعل يسبه، بل قال: أرأيتم إلى ما يفعل هذا الحمار، وانظر إلى تجرؤ الخوارج على أصحاب رسول الله ﷺ، وهذا دأبهم في كل زمن وفي كل وقت! فقال الصحابي: [إني غزوت مع رسول الله ﷺ ست غزوات أو سبع غزوات وثمانية، وشهدت تيسيره] بدأ الصحابي يذكر مناقبه للخوارج.
وفي الحديث جواز ذكر المناقب إن أمنت الفتنة في حال الضرورة، قال: [وإني إن كنت أن أراجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى مألفها فيشق علي].
والمعنى: إني تحركت في الصلاة وأنا على علم بفعل النبي ﵊، إني كنت أتابع تيسيره، بدلًا من أن أترك الدابة تنطلق وتذهب إلى مكانها فيشق علي متابعة الدابة، فكل ما فعله أبو برزة أنه تحرك إلى الأمام في اتجاه القبلة، أي: أنه لم يتبع الدابة ويخرج من الصلاة ويعطي القبلة ظهره، وهذا يحتاج إلى استئناف الصلاة، إنما الدابة انفلتت يسيرًا، وفي هذا جواز التحرك قليلًا في الصلاة، فلما انفلتت منه الدابة تحرك وأخذ بخطامها وعاد إلى مكانه في الصلاة، وهذا يجوز بدون أدنى شك.
والعلماء على جواز أن يخرج الإنسان من صلاته لضرورة شرعية كذهاب ثيابه، وكسرقة حذائه، وكأن يرى أمرًا لا بد له من أن يتابعه إلى غير ذلك.
قال البخاري ﵀: [قالت عائشة ﵂: (خسفت الشمس في زمن النبي ﷺ، فقام ﵊ فقرأ سورة طويلة، ثم ركع فأطال، ثم رفع رأسه، ثم استفتح بسورة أخرى، ثم ركع حتى قضاها وسجد، ثم فعل ذلك في الثانية، ثم قال: إنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم ذلك فصلوا حتى يفرج عنكم)].
وهذه صلاة الكسوف، وبها ركوعان وسجودان، أي أنك تكبّر ثم تقرأ الفاتحة وما تيسر من القرآن، ثم تركع، ثم تعتدل وتقرأ مرة ثانية، ثم تركع ففي كل ركعة ركوعان، وهذه صلاة الكسوف، صلاها النبي ﷺ مرة واحدة يوم أن مات ابنه إبراهيم ﵇ وفي هذه الصلاة يقول ﷺ: [(لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدته، حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفًا من الجنة -أي: عنقودًا من عناقيد عنب الجنة- حين رأيتموني جعلت أتقدم، ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضًا حين رأيتموني تأخرت، ورأيت فيها عمرو بن لحي، وهو الذي سيب السوائب)].
أي: أن النبي ﷺ وهو يصلي الكسوف تأخر حينما رأى جهنم، فإنها قد عُرضت عليه وهو يصلي الصلاة فتأخر، ولما عُرضت عليه الجنة تقدم، وبعض الناس يقول: كيف تُعرض عليه الجنة والنار وهو يصلي؟ نقول: هذه من معجزات الأنبياء، ولا تخضع للقياس العقلي، فعرش بلقيس يأتي من سبأ في أقل من لمح البصر، من يصدّق هذا؟ وعصا موسى يضرب بها البحر فينفلق البحر إلى اثني عشر طريقًا من يصدّق أن البحر ينقسم؟ يمر موس
2 / 3