[الدليل على أن كل ما جاز عليه العدم وجب حدوثه]
وأما الدليل على أن كل ما جاز عليه العدم وجب([43]) حدوثه فلأن جواز العدم عليه يكشف عن كونه موجودا لمؤثر على سبيل الصحة وهو الفاعل، أو لمؤثر على سبيل الإيجاب وهو العلة، لأنه لو كان موجودا لذاته وذاته مع الأزمنة على سواء، كانت هذه الصفة واجبة له في جميع الأوقات؛ وإلا انتقض كونه موجودا لذاته وقد ثبت ذلك، وخروج الموصوف عن الصفة الذاتية لا يجوز، فإذا جاز عليه العدم علمنا أنه قد تقدم حالة وجوده حالة كان وجوده فيها جائزا، ثم وجب لمؤثر من فاعل أو علة وذلك معنى المحدث، فثبت بذلك أن كل ما جاز عليه العدم وجب حدوثه؛ لأن وجوده يكون بغيره لا بذاته.
وكذلك الإستدلال بظاهر الجسم فلأن علمنا بما ركب الله
-سبحانه- في الأجسام من الأعراض تابع لعلمنا بالأجسام، وإذا ثبت ذلك وثبت أن الجسم لا يجوز وجوده إلا كذلك، ثبت أن الجسم محدث؛ لأن الجسم إذا لم يجز وجوده إلا مع وجود المحدث ثبت أنه لم يتقدم المحدث، وإذا لم يتقدم المحدث فهو معه أو بعده، وما بعد المحدث محدث بالضرورة، وما كان وجوده مع وجود المحدث إستحال كونه قديما لما بينا في حقيقة القديم.
[بيان أن كل محدث لا بد له من محدث مخالف له]
وإذا قد ثبت حدوثها فلا بد لها من محدث مخالف لها، لإستحالة إحداثها لأنفسها، لأنها لو أحدثت أنفسها كانت لا تخلو: إما أن تكون أحدثت أنفسها وهي موجودة أو معدومة.
باطل أن تكون أوجدت أنفسها وهي موجودة، لأن إيجاد الموجود محال لإستحالة وجود غناه وحاجته، من وجه واحد، لوجه واحد، في حالة واحدة، وذلك ظاهر.
وباطل أن تكون أوجدت أنفسها وهي معدومة، لأنا قد علمنا أن إيجاد الفعل يستحيل من عادم القدرة مع وجود ذاته وحياته فبأن يكون عدم الذات أبلغ في إستحالة وجود منه أولى وأحرى.
Página 80