[الدليل العقلي والشرعي على أن الرزق من الله تعالى]
ومن دلالة العقل وأحكام الشرع: أن هذه الأرزاق أجسام ولا فاعل للأجسام إلا الله -تعالى- كما قدمنا.
ولأنهم يأخذونها بحكم الله -تعالى- ولهذا يحكم لهم بها كما أمر الله -سبحانه-.
ولأن الظاهر من دين الكافة من المسلمين، أن من أخذ من أموال
العصاة شيئا بغير رضاهم وجبت عليه الغرامة إذا كان الآخذ مسلما ملتزما لأحكام الشريعة، فلو كانت أموالهم للمطيعين كما قالوا لما وجب ذلك، أو لوجب الإستحلال من المسلمين ومعلوم خلافه، فهذا هو الكلام على فرقتي المطرفية على وجه الإختصار.
[إحالة الطبائعية لآثار الصانع والحكمة إلى علل موجبة والدلالة على بطلان ما قالوه]
وأما الطبائعية: فاعلم أنهم بنوا مذهبهم على نفي الصانع -تعالى- وإحالة آثار الصنع والحكمة إلى علل موجبة، ومن كانت هذه حاله نقل الكلام معهم إلى الدلالة على حدوث الأجسام، وأنه لا بد لها من محدث، وأن محدثها لا يكون إلا الله -تعالى- فحينئذ ينقطع شغبهم وعللهم، وينكشف خطأهم وزللهم، وقد رأيت لهم كتبا كثيرة فكان أدقها معنى، وألطفها شبهة، وأدقها مدخلا، تصنيفا لرجل منهم ذكر فيه علل الحوادث من الغيث، والبرد، والثلج، والزلزلة، والرعد، والبرق، والنبات، والحيوانات، وما يطول الكتاب بشرحه، وجعل لكل شيء من ذلك علة ونفى الجميع عن الله -تعالى- فكان من كلامه في الغيث: أنه يتولد من بخارين بخار دخاني وبخار رطب، وأن الدخاني يصعد بالرطب لأن من طبعه الصعود، وأنه يتكثف في الهواء، وأنه يستحيل الرطب إلى الماء فيتقوى وينحدر، وأن الريح الشمالية ربما اعترضته فإن اعترضته بعدما يكون قطرا نزل بردا، وإن اعترضته قبل ذلك نزل جليدا([30]) وثلجا.
Página 71