وسائر الخلق من الأئمة -عليهم السلام-، والأمة مجمعون على أن
لا رازق إلا الله تعالى.
[خلاف الفلاسفة والرد عليهم]
واعلم: أن خلاف من ذكرنا من الفلاسفة واقع في المعنى دون اللفظ، لأنهم يطلقون القول بأن الله -تعالى- رازق لجميع الخلق، على معنى أن الرزق فاض منه سبحانه على الكافة؛ كما يفيض النور من قرص الشمس من غير قصد منه في وصوله إلى من وصل إليه خصوصا دون غيره، قالوا: وهذا أبلغ في الجود وأعم في الإنعام.
والكلام عليهم أنا نقول لهم: أخبرونا بحقيقة المنعم ما هي؟، وحقيقة الإنعام ما هو؟، فإن بمعرفة الحقائق تحل الدقائق؛ لأنا وإياهم بل جميع العقلاء نعلم أن المنعم لا يكون منعما حتى يقصد وصول المنفعة الحسنة للإحسان إلى من أنعم بها عليه، فحينئذ يتعين شكر المنعم على المنعم عليه، ولا يكفي في ذلك مجرد وصول المنفعة إذا تعرى من القصد - إلى الإحسان إلى من وصلت إليه - والإرادة.
ألا ترى أن إنسانا لو أتى بكوز ماء بارد فأهرقه على إنسان مجدور يريد بذلك الإضرار به، فإنه لا يجب عليه -والحال هذه- شكره، وإن كان النفع قد وصل إليه من قبله، ولكنه لما تعرى من القصد سقط وجوب شكره، وكذا لو أعد طعاما مسموما لجائع يريد هلاكه به فلما أراد مناولته إياه غلط بغيره فأعطاه طعاما شهيا لذيذا خالصا من السم سد به فاقته، وأمسك رمقه، وقضى وطره، فإنه لا يجب عليه عند جميع العقلاء شكره لما لم يقصد بإيصال الطعام إليه نفعه وإنما قصد مضرته، فلما حصل النفع معرى من القصد خرج عن باب الإحسان، ألا ترى أن شكر الشمس لا يوجبه أحد من العقلاء، بل لا يستحسنه وإن كان النفع بها واصلا إلينا، لما كان القصد مستحيلا عليها لكونها غير حية ولا قادرة، والقصد لا يكون إلا من حي قادر، فلو كان الإحسان الواصل إلينا من قبل الله تعالى فيضا كما زعموا، لما وجب علينا شكره، كما قدمنا بيانه.
Página 66