فالأولى، أي: الجملة المقرونة بالفاء نحو: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ. . .﴾ من: اسم شرط، يضلل: فعل الشرط، واللهُ: فاعله، والفاء في فلا هادي له: داخل في جواب الشرط، ولا: لنفي الجنس، اسمها منصوب لفظًا وهو: هادي، وخبرها مرفوع محلًا وهو "له"، فاسم لا، خبره جملة اسميّة محلَها الجزم.
ولهذا، أي: ولأجل كون الجملة المقرونة بالفاء في محل الجزم، قُرِئَ بِجَزْم يَذَرْ عطفًا على محلّ الجملةِ، فيكون تقدير الكلام: مَنْ يُضْلِل اللهُ لا يَهْدِهِ أحد غيره ويذرهم.
هذا تنصيص على كون جملة فلا هادي له في محل الجزم، وحاصله أنها لو لم تكن جملة فلا هادي له في محل الجزم، لما جاز قراءة الجزم في معطوفها عطفًا على محلّها، لكن كونه دليلًا مبنيٌّ على رأي من ذهب إلى جزم (يذر) وأمّا على رأي من ذهب إلى سكونه لتوالي الحركات كما قيل، فلا يكون دليلًا، وقُرئ برفع يذرُ على الإستئناف.
والثانية، أي: الجملة المقرونة بإذا المفاجأة نحو: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾.
إنْ: حرف شرط، وتُصِبُ: فعل الشرط، وهم: مفعول فعل الشرط، سيّئة: فاعله، والباء في بما: متعلّق بفعل الشرط، وإذا التي للمفاجأة بمنزلة الفاء، تدخل على الجملة الاسمية غالبًا، وقد تقع مع الفعليّة، نصّ عليه بعض شرّاح الكافية في باب التحذير، وإنما قلنا: بمنزلة الفاء لأنها (إذا كانت) للمفاجأة لا يُبتدأ بها كما لا يُبتدأ بالفاء، بخلاف إذا الشرطية، فإنها يُبتدأ بها، فأشبهت الفاءَ فوقعت موقعها، وصارت جوابًا للشّرط، وقد تدخل عليها الفاء عند دخولها على جواب الشرط فيكون للتأكيد.
وهم: مبتدأ، ويقنطون: خبره، والجملة الاسمية جزاء للشرط، فالمعنى: إن تُصِبْهم سيّئة أي: شدّة، بما قدمت أيديهم بشؤم معاصيهم إذا هم يقنطون، أي: فاجأ القنوط من رحمته، ولما فُهم
1 / 32