المعنى لم يعف رسمها للريح وحدها، إنما عفا للمطر والريح
وغير ذلك من مر الدهور به؛ وهو دارس في المعنى.
وقال آخرون: لم يعف رسمها لاختلاف هاتين الريحين، ولو دامت عليه واحدة لعفا؛ لأن الريح
الواحدة تدرس الأثر، والريحان لاندرسانه؛ لأن الريح الواحدة تسفى على الرسم فيدرس، وإذا
اعتورته ريحان فسفت عليه إحداهما فغطته ثم هبت الأخرى كشفت عن الرسم ما سفت الأولى.
والحجة في ذلك قول ذي الرمة:
مِنْ دمنة نسَفَتٍْ عنها الصَّبا سُفَعًا ... كما تُنشَّر بع الطِّيَّةِ الكُتبُ
سيلًا من الدِّعص أغَتْه معارفَها ... نكباءُ تسحب أعلاه فينسحبُ
يذهب إلى أن النكباء ألبست معارف هذه الدمنة سيلا من الدعص فسفته عنه الصبا، فكذلك هذا
الرسم ألبسته الجنوب التراب والرمل فكشفته عنه الشمال. فمعنى هذا القول أن الرسم لم يدرس.
وقال أبو بكر محمد بن آدم العبدي: معنى قوله: لم يعف رسمها، لم يدرس من قلبي وهو في نفسه
دارس.
والرسم: الأثر بلا شخص، وجمعه أرسم ورسوم، كما يقال أبحر وبحور في جمع البحر. ومعنى لم
يعف: لم يدرس. يقال: عفا الأثر يعفو عَفوًا وعُفُوا وعفاء. قال الشاعر
تَحمَّلَ أهلُها منها فبانوا ... على آثار مَنْ ذهبَ العفاءُ
ويقال: عفا الشيء يعفوا عفوا، إذا كثر. قال الله ﷿: (حتَّى عَفَوْا) يريد: حتى كثروا. وقال
الشاعر:
ولكنَّا نُعِضُّ السيفَ منها ... بأسؤُقِ عافياتِ اللحمِ كُومِ
1 / 21