بعض العلماء مثل الصنعاني وصديق حسن خان قالوا: إن أهل العلم إنما تركوا الصلاة على الآل واقتصروا على الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- مداهنة ومجاراة للحكام الذين ينصبون العداء للآل، لكن هل يظن أن يتواطأ أهل العلم قاطبة على المدارة والمداهنة مع ارتفاع سببها؟ يعني إذا حصلت المدارة لبني أمية ودولتهم قد انتهت سنة مائة واثنين وثلاثين قبل تدوين أي كتاب من كتب السنة المعروفة، جاء بعدهم بنو العباس وهم من الآل كيف نقول: إن هذه مداهنة ومدارة للحكام؟ كيف نتهم الأئمة مالك والشافعي وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي وأهل العلم قاطبة بمدارة الحكام؟ وأنهم حذفوا الصلاة على الآل خشية منهم؟ هم اقتصروا في الصلاة والسلام على النبي -عليه الصلاة والسلام- امتثالا للآية، أما إذا جاءوا بالآل فليأتوا بالأصحاب أيضا لئلا يشبهوا بعض الطوائف المبتدعة الذين يقتصرون على الآل، ولا يقتصرون على الصحب لئلا يشبهوا قوما آخرين.
"أما بعد" أما حرف شرط، وبعد قائم مقام الشرط مبني على الضم لقطعه عن الإضافة مع نية المضاف إليه؛ لأن هذه الظروف قبل وبعد والجهات الست إذا قطعت عن الإضافة مع نية المضاف إليه تبنى على الضم، {لله الأمر من قبل ومن بعد} [(4) سورة الروم].
أما بعد: لكن إن أضيفت أعربت، {قد خلت من قبلكم} [(137) سورة آل عمران]، وإن قطعت عن الإضافة مع عدم نية المضاف إليه أعربت مع التنوين.
فساغ لي الشراب وكنت قبلا ... أكاد أغص بالماء الفرات
المقصود أن لها حالات ثلاث، والذي عندنا مبني على الضم للقطع عن الإضافة مع نية المضاف إليه، والإتيان بها سنة كما هو معروف حفلت بها النصوص، روي عن أكثر من ثلاثين صحابي عنه -عليه الصلاة والسلام- في أحاديث أنه قال: ((أما بعد)) في خطبه ورسائله، ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه قال: "وبعد"، كما جرى على ألسنة الناس اليوم، ولم يقل: "ثم أما بعد" كما يقوله كثير من الناس اليوم، بل السنة إنما تتأدى بهذا اللفظ: (أما بعد) فلا نحتاج إلى ثم، ولا نبدل أما بالواو.
الخلاف في أول من قال: (أما بعد) موجود بين أهل العلم، ذكر فيه ثمانية أقوال، يجمعها قول الناظم:
Página 12