Comentario sobre El Sendero de la Elocuencia
شرح نهج البلاغة
Investigador
محمد عبد الكريم النمري
Editorial
دار الكتب العلمية
Número de edición
الأولى
Año de publicación
1418 AH
Ubicación del editor
بيروت
ويقال : أصدق الناس فراسة ثلاثة : العزيز في قوله لامرأته عن يوسف عليه السلام : ' وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ' ، وابنة شعيب حيث قالت لأبيها في موسى : ' يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ' ، وأبو بكر في عمر . وروى كثير من الناس أن أبا بكر لما نزل به الموت دعا عبد الرحمن بن عوف ، فقال : أخبرني عن عمر ، فقال : إنه أفضل من رأيت إلا أن فيه غلظة ، فقال أبو بكر : ذاك لأنه يراني رقيقا ، ولو قد أفضى الأمر إليه لترك كثيرا مما هو عليه ، وقد رمقته إذ أنا غضبت على رجل أراني الرضا عنه ، وإذا لنت له أراني الشدة عليه ، ثم دعا عثمان بن عفان ، فقال : أخبرني عن عمر ، فقال : سريرته خير من علانيته ، وليس فينا مثله . فقال لهما : لا تذكرا مما قلت لكما شيئا ، ولو تركت عمر لما عدوتك يا عثمان ، والخيرة لك ألا تلي من أمورهم شيئا ، ولوددت أني كنت من أموركم خلوا ، وكنت فيمن مضى من سلفكم . ودخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر ، فقال : إنه بلغني يا خليفة رسول الله استخلفت على الناس عمر ، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معهن فكيف به إذا خلا بهم ، وأنت غدا لاق ربك ، فيسألك عن رعيتك ! فقال أبو بكر : أجلسوني ، ثم قال : أبالله تخوفني ! إذا لقيت ربي فسألني ، قلت : استخلفت عليهم خير أهلك . فقال طلحة : أعمر خير الناس يا خليفة رسول الله ! فاشتد غضبه وقال : إي والله ، هو خيرهم وأنت شرهم . أما والله لو وليتك لجعلت أنفك في قفاك ، ولرفعت نفسك فوق قدرها حتى يكون الله هو الذي يضعها ! أتيتني وقد دلكت عينك ، تريد أن تفتنني عن ديني ، وتزيليني عن رأيي ! قم لا أقام الله رجليك ! أما والله لئن عشت فواق ناقة ، وبلغني أنك غمصته فيها ، أو ذكرته بسوء ، لألحقنك بمحمضات قنة ، حيث كنتم تسقون ولا تروون ، وترعون ولا تشبعون ، وأنتم بذلك بجحون راضون ! فقام طلحة فخرج .
أحضر أبو بكر عثمان - وهو يجود بنفسه - فأمره أن يكتب عهدا ، وقال : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما عهد عبد الله بن عثمان إلى المسلمين . أما بعد ثم أغمي عليه ؛ وكتب عثمان : قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب . وأفاق أبو بكر ، فقال : اقرأ فقرأه ، فكبر أبو بكر ، وسر ، وقال : أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي ! قال : نعم ، قال : جزاك الله خيرا عن الإسلام وأهله . ثم أتم العهد ، وأمر أن يقرأ على الناس فقرئ عليهم ، ثم أوصى عمر ، فقال له : إن لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار ، وحقا في النهار لا يقبله بالليل ، وإنه لا يقبل نافلة ما لم تؤد الفريضة ، وإنما ثقلت موازين من اتبع الحق مع ثقله عليه ، وإنما خفت موازين من اتبع الباطل لخفته عليه ، إنما أنزلت آية الرخاء مع آية الشدة ، لئلا يرغب المؤمن رغبة يتمنى فيها على الله ما ليس له ، ولئلا يرهب رهبة يلقى فيها بيده ، فإن حفظت وصيتي ، فلا يكن غائب أحب إليك من الموت ولست معجزه . ثم توفي أبو بكر .
دعا أبو بكر عمر يوم موته بعد عهده إليه ، فقال : إني لأرجو أن أموت في يومي هذا فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى بن حارثة ، وإن تأخرت إلى الليل لا تصبحن حتى تندب الناس معه ، ولا تشغلنكم مصيبة عن دينكم ، وقد رأيتني متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف صنعت .
Página 104