Comentario sobre El Sendero de la Elocuencia
شرح نهج البلاغة
Investigador
محمد عبد الكريم النمري
Editorial
دار الكتب العلمية
Número de edición
الأولى
Año de publicación
1418 AH
Ubicación del editor
بيروت
فإن قيل : لا ريب في أن كلامه هذا تعريض بمن تقدم عليه ، فأي نعمة له عليهم ؟ قيل : نعمتان : الأولى منهما الجهاد عنهم وهم قاعدون ، فإن من أنصف علم أنه لولا سيف علي عليه السلام لاصطلم المشركون من أشار إليه وغيرهم من المسلمين ، وقد علمت آثاره في بدر ، وأحد ، والخندق ، وحنين ، وأن الشرك فيها فغر فاه ، فلو لا أن سده بسيفه لالتهم المسلمين كافة - والثانية علومه التي لولاها لحكم بغير الصواب في كثير من الأحكام ، وقد اعترف عمر له بذلك ، والخبر مشهور : لولا علي لهلك عمر . ويمكن أن يخرج كلامه على وجه آخر ، وذلك أن العرب تفضل القبيلة التي منها الرئيس الأعظم على سائر القبائل ، وتفضل الأدنى منه نسبا ، فالأدنى على سائر آحاد تلك القبيلة ؛ فإن بني دارم يفتخرون بحاجب وإخوته ، وبزرارة أبيهم على سائر بني تميم ، ويسوغ للواحد من أناء دارم أن يقول : لا يقاس ببني دارم أحد من بني تميم ، ولا يستوي بهم من جرت رئاستهم عليه أبدا ، ويعني بذلك أن واحدا من بني دارم قد رأس على بني تميم ؛ فكذلك لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رئيس الكل ، والمنعم على الكل ، جاز لواحد من بني هاشم ، لا سيما مثل علي عليه السلام أن يقول هذه الكلمات .
واعلم أن عليا عليه السلام كان يدعي التقدم على الكل ، والشرف على الكل ، والنعمة على الكل ، بابن عمه صلى الله عليه وسلم ، وبنفسه وبأبيه أبي طالب ، فإن من قرأ علوم السير عرف أن الإسلام لولا أبو طالب لم يكن شيئا مذكورا .
وليس لقائل أن يقول : كيف يقال هذا في دين تكفل الله تعالى بإظهاره ، سواء كان أبو طالب موجودا أو معدوما ! لأنا نقول : فينبغي على هذا ألا يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا ياقل : إنه هدى الناس من الضلالة ، وأنقذهم من الجهالة ، وإن له حقا على المسلمين . وإنه لولاه لما عبد الله تعالى في الأرض ، وألا يمدح أبو بكر ، ولا يقال : إن له أثرا في الإسلام ، وإن عبد الرحمن وسعدا وطلحة وعثمان وغيرهم من الأولين في الدين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتباعه له ، وإن له يدا غير مجحودة في الإنفاق واشتراء المعذبين وإعتاقهم ، وإنه لولاه لاستمرت الردة بعد الوفاة ، وظهرت دعوة مسيلمة وطليحة ؛ وإنه لولا عمر لما كانت الفتوح ، ولا جهزت الجيوش ، ولا قوي أمر الدين بعد ضعفه ، ولا انتشرت الدعوة بعد خمولها .
فإن قلتم في كل ذلك : إن هؤلاء يحمدون ويثنى عليهم ؛ لأن الله تعالى أجرى هذه الأمور على أيديهم ، ووفقهم لها ، والفاعل بذلك بالحقيقة هو الله تعالى ؛ وهؤلاء آلة مستعملة ، ووسائط تجري الأفعال على أيديها ، فحمدهم والثناء عليهم ، والاعتراف لهم إنما هو باعتبار ذلك ، قيل لكم في شأن أبي طالب مثله .
واعلم أن هذه الكلمات ؛ وهي قوله عليه السلام : الآن إذ رجع الحق إلى أهله . . . ، إلى آخرها يبعد عندي أن تكون مقولة عقيب انصرافه عليه السلام من صفين ، لأنه انصرف عنها وقتئذ مضطرب الأمر ، منتشر الحبل ، بواقعة التحكيم ، ومكيدة ابن العاص ، وما تم لمعاوية عليه من الاستظهار ، وما شاهد في عسكره من الخذلان . وهذه الكلمات لا تقال في مثل هذه الحال ، وأخلق بها أن تكون قيلت في ابتداء بيعته ، قبل أن يخرج من المدينة إلى البصرة ، وأن الرضي رحمه الله تعالى نقل ما وجد ، وحكى ما سمع ، والغلط من غيره والوهم سابق له . وما ذكرناه واضح .
Página 91