Comentario sobre El Sendero de la Elocuencia
شرح نهج البلاغة
Investigador
محمد عبد الكريم النمري
Editorial
دار الكتب العلمية
Número de edición
الأولى
Año de publicación
1418 AH
Ubicación del editor
بيروت
ومنها أن البارئ - سبحانه - خلق في الفضاء الذي أوجده ماء جعله على متن الريح ، فاستقل عليها ، وثبت وصارت مكانا له ، ثم خلق فوق ذلك الماء ريحا أخرى سلطها عليه ، فموجته تمويجا شديدا حتى ارتفع ، فخلق منه السموات . وهذا أيضا قد قاله قوم من الحكماء ؛ ومن جملتهم تاليس الإسكندراني ؛ وزعم أن الماء أصل كل العناصر ؛ لأنه إذا انجمد صار أرضا ، وإذا لطف صار هواء ، والهواء يستحيل نارا ؛ لأن النار صفوة الهواء .
ويقال : إن في التوراة في أول السفر الأول كلاما يناسب هذا ؛ وهو أن الله تعالى خلق جوهرا ، فنظر إليه نظر الهيبة ، فذابت أجزاؤه فصارت ماء ، ثم ارتفع من ذلك الماء بخار كالدخان ، فخلق منه السموات ؛ وظهر على وجه ذلك الماء زبد ، فخلق منه الأرض ، ثم أرساها بالجبال .
ومنها : أن السماء الدنيا موج مكفوف ، بخلاف السموات الفوقانية . وهذا قول قد ذهب إليه قوم ، واستدلوا عليه بما نشاهده من حركة الكواكب المتحيرة وارتعادها في مرأى العين واضطرابها ؛ قالوا : لأن المتحيرة متحركة في أفلاكها ؛ ونحن نشاهدها بالحس البصري ، وبيننا وبينها أجرام الأفلاك الشفافة ، ونشاهدها مرتعدة حسب ارتعاد الجسم السائر في الماء ؛ وما ذاك إلا لأن السماء الدنيا ماء متموج ، فارتعاد الكواكب المشاهدة حسا إنما هو بحسب ارتعاد أجزاء الفلك الأدنى . قالوا : فأما الكواكب الثابتة فإنا لم نشاهدها كذلك ؛ لأنها ليست بمتحركة ، وأما القمر وإن كان في السماء الدنيا ، إلا في فلك تدويره من جنس الأجرام الفوقانية ، وليس بماء متموج كالفلك الممثل التحتاني . وكذلك القول في الشمس .
ومنها : أن الكواكب في قوله : ثم زينها بزينة الكواكب ، أين هي ؟ فإن اللفظ محتمل ، وينبغي أن يتقدم على ذلك بحث في أصل قوله تعالى : ' إنا زينا السماء بزينة الكواكب ، وحفظا من كل شيطان مارد ' ! فنقول : إن ظاهر هذا اللفظ أن الكواكب في السماء الدنيا ، وأنها جعلت فيها حراسة للشياطين من استراق السمع ؛ فمن دنا منهم لذلك رجم بشهاب ؛ وهذا هو الذي يقتضيه ظاهر اللفظ . ومذهب الحكماء أن السماء ليس فيها إلا القمر وحده ، وعندهم أن الشهب المنقضة هي آثار تظهر في الفلك الأثيري الناري الذي تحت فلك القمر ، والكواكب لا ينقض منها شيء ، والواجب التصديق بما في ظاهر لفظ الكتاب العزيز ، وأن يحمل كلام أمير المؤمنين عليه السلام على مطابقته ، فيكون الضمير في قوله : زينها ، راجعا إلى سفلاهن ؛ التي قال : إنها موج مكفوف ، ويكون الضمير في قوله : وأجرى فيها ، راجعا إلى جملة السموات ؛ إذا وافقنا الحكماء في أن الشمس في السماء الرابعة .
Página 58