Comentario sobre El Sendero de la Elocuencia
شرح نهج البلاغة
Investigador
محمد عبد الكريم النمري
Editorial
دار الكتب العلمية
Número de edición
الأولى
Año de publicación
1418 AH
Ubicación del editor
بيروت
وأما قوله : أحال الأشياء لأوقاتها ، فمن رواها : أحل الأشياء لأوقاتها ، فمعناه جعل كل شيء ووقته كمحل الدين . ومن رواها : أحال ، فهو من قولك : حال في متن فرسه ، أي وثب ، وأحاله غيره ، أي أوثبه على متن الفرس ؛ عداه بالهمزة وكأنه لما أقر الأشياء في أحيانها وأوقاتها صار كمن أحال غيره على فرسه . وقوله : ولاءم بين مختلفاتها ، أي جعل المختلفات ملتئمات ، كما قرن النفس الروحانية بالجسد الترابي ، جلت عظمته ! وقوله : وغرز غرائزها ، المروي بالتشديد ، والغريزة : الطبيعة ، وجمعها غرائز ، وقوله : غرزها ، أي جعلهاغرائز ، كما قيل : سبحان من ضوأ الأضواء ! ويجوز أن يكون من غرزت الإبرة بمعنى غرست . وقد رأيناه في بعض النسخ بالتخفيف .
وقوله : وألزمها أشباحها ، الضمير المنصوب في ألزامها ، عائد إلى الغرائز ، أي الزم الغرائز أشباحها ، أي أشخاصها ، جمع شبح ، وهذا حق ؛ لأن كلا مطبوع على غريزة لازمة ، فالشجاع لا يكون جبانا ، والبخيل لا يكون جوادا ؛ وكذلك كل الغرائز لازمة لا تنتقل .
وقوله : عالما بها قبل ابتدائها ، إشارة إلى أنه عالم بالأشياء فيما لم يزل ، وقوله : محيطا بحدودها وانتهائها أي بأطرافها ونهاياتها ، وقوله : عارفا بقرائنها وأحنائها ، القرائن : جمع قرونة ، وهي النفس . والأحناء : الجوانب ، جمع حنو ، يقول : إنه سبحانه عارف بنفوس هذه الغرائز التي ألزمها أشباحها ، عارف بجهاتها وسائر أحوالها المتعلقة بها والصادرة عنها .
فأما القطب الراوندي فإنه قال : معنى قوله عليه السلام : كائن لا عن حدث موجود لا عن عدم ، أنه لم يزل موجودا ، ولا يزال موجودا ، فهو باق أبدا كما كان موجودا أولا ، وهذا ليس بجيد ، لأن اللفظ لا يدل على ذلك ولا فيه تعرض بالبقاء فيما لا يزال .
وقال أيضا : قوله عليه السلام : لا يستوحش ، كلام مستأنف . ولقائل أن يقول : كيف يكون كلاما مستأنفا ، والهاء في فقده ترجع إلى السكن المذكور أولا ! وقال أيضا : يقال : ما له في الأمر همة ولا همامة ؛ أي لا يهم به ، والهمامة : التردد ، كالعزم . ولقائل أن يقول : العزم هو إرادة جازمة حصلت بعد التردد ، فبطل قوله : إن الهمامة هي نفس التررد كالعزم . وأيضا فقد بينا مراده عليه السلام بالهمامة ؛ حكى زرقان في كتاب المقالات ، وأبو عيسى الوراق ، والحسن بن موسى ، وذكره شيخنا أبو القاسم البلخي في كتابه في المقالات أيضا عن الثنوية : أن النور الأعظم اضطربت عزائمه وإرادته في غزو الظلمة والإغارة عليها ، فخرجت من ذاته قطعة - وهي الهمامة المضطربة في نفسه - فخالطت الظلمة غازية لها ، فاقتطعتها الظلمة عن النور الأعظم ، وحالت بينها وبينه ، وخرجت همامة الظلمة غازية للنور الأعظم ، فاقتطعها النور الأعظم عن الظلمة ، ومزجها بأجزائه ، وامتزجت همامة النور بأجزاء الظلمة أيضا ، ثم ما زالت الهمامتان تتقاربان وتتدانيان وهما ممتزجتان ، بأجزاء هذا وهذا ؛ حتى انبنى منهما هذا العالم المحسوس . ولهم في الهمامة كلام مشهور ؛ وهي لفظة اصطلحوا عليها . واللغة العربية ما عرفنا فيها استعمال الهمامة بمعنى الهمة ، والذي عرفناه الهمة والهمة - بالكسر والفتح - والمهمة ، وتقول لا همام لي بهذا الأمر ، مبني على الكسر كقطام ، ولكنها لفظة اصطلاحية مشهورة عند أهلها .
Página 56