309

Comentario sobre El Sendero de la Elocuencia

شرح نهج البلاغة

Editor

محمد عبد الكريم النمري

Editorial

دار الكتب العلمية

Edición

الأولى

Año de publicación

1418 AH

Ubicación del editor

بيروت

قال : فخرج رجل من أهل العراق ، على فرس كميت ذنوب ، عليه السلاح لا يرى منه إلا عيناه ، وبيده الرمح . فجعل يضرب رؤوس أهل العراق بالقناة ، ويقول : سووا صفوفكم رحمكم الله ! حتى إذا عدل الصفوف والرايات ، استقبلهم بوجهه ، وولى أهل الشام ظهره ، ثم حمد الله وأثنى عليه ، وقال : الحمد لله الذي جعل فينا ابن عم نبيه ، أقدمهم هجرة ، وأولهم إسلاما ، سيف من سيوف الله على أعدائه ، فانظروا إذا حمي الوطيس ، وثار القتام ، وتكسر المران ، وجالت الخيل بالأبطال ، فلا أسمع إلا غمغمة أو همهمة ، فاتبعوني وكونوا في أثري ، ثم حمل على أهل الشام فكسر فيهم رمحه ، ثم رجع فإذا هو الأشتر . قال : وخرج رجل من أهل الشام فنادى بين الصفين : يا أبا الحسن ، يا علي ، ابرز إلي . فخرج إليه علي عليه السلام ، حتى اختلفت أعناق دابتيهما بين الصفين ، فقال : إن لك يا علي لقدما في الإسلام والهجرة ، فهل لك في أمر أعرضه عليك ، يكون فيه حقن هذه الدماء ، وتأخر هذه الحروب ، حتى ترى رأيك ؟ قال : وما هو ؟ قال : ترجع إلى عراقك ، فنخلي بينك وبين العراق ، ونرجع نحن إلى شامنا فتخلي بيننا وبين الشام .

فقال علي عليه السلام : قد عرفت ما عرضت ، إن هذه لنصيحة وشفقة ، ولقد أهمني هذا الأمر وأسهرني ، وضربت أنفه وعينه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد . إن الله تعالى ذكره لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون ؛ لا يأمرون بمعروف ، ولا ينهون عن منكر ؛ فوجدت القتال أهون علي من معالجة في الأغلال في جهنم .

قال : فرجع الرجل وهو يسترجع ، وزحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل والحجارة حتى فنيت ، ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت واندقت . ثم مشى القوم بعضه إلى بعض بالسيوف وعمد الحديد ، فلم يسمع السامعون إلا وقع الحديد بعضه على بعض ؛ لهو أشد هولا في صدور الرجال من الصواعق ، ومن جبال تهامة يدك بعضها بعضا ، وانكسفت الشمس بالنقع ، وثار القتام والقسطل ، وضلت الألوية والرايات ، وأخذ الأشتر يسير فيما بين الميمنة والميسرة ، فيأمر كل قبيلة أو كتيبة من القراء بالإقدام على التي تليها ؛ فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد ، من صلاة الغداة من اليوم المذكور إلى نصف الليل ، لم يصلوا لله صلاة . فلم يزل الأشتر يفعل ذلك حتى أصبح والمعركة خلف ظهره ، وافترقوا عن سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم ، وتلك الليلة وهي ليلة الهرير المشهورة ، وكان الأشتر في ميمنة الناس وابن عباس في الميسرة ، وعلي عليه السلام في القلب ، والناس يقتتلون .

Página 123