Comentario sobre El Sendero de la Elocuencia
شرح نهج البلاغة
Editor
محمد عبد الكريم النمري
Editorial
دار الكتب العلمية
Edición
الأولى
Año de publicación
1418 AH
Ubicación del editor
بيروت
وروى أبو جعفر : لما اشتد على عثمان الحصار ، أشرف على الناس ، فقال : يا أهل المدينة ، أستودعكم الله وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي . ثم قال : أنشدكم الله ، هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب عمر أن يختار لكم ويجمعكم على خيركم ! أفتقولون : إن الله لم يستجب لكم ، وهنتم عليه ، وأنتم أهل حقه وأنصار نبيه ، أم تقولون : هان على الله دينه فلم يبال من ولى ، والدين لم يتفرق أهله بعد ! أم تقولون : لم يكن أخذ عن مشورة ، إنما كان مكابرة ، فوكل الله الأمة - إذ عصته ولم يتشاوروا في الإمامة - إلى أنفسها ! أم تقولون : إن الله لم يعلم عاقبة أمري ! فمهلا مهلا ! لا تقتلوني ، وإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة : زان بعد إحصان ، أو كافر بعد إيمان ، أو قاتل نفس بغير حق . أما إنكم إن قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم ثم لا يرفعه الله عنكم أبدا . فقالوا : أما ما ذكرت من استخارة الناس بعد عمر ، فإن كل ما يصنعه الله الخيرة ، ولكن الله جعلك بلية ابتلى بها عباده ، ولقد كانت لك قدم وسابقة ، وكنت أهلا للولاية ، ولكن أحدثت ما تعلمه ، ولا نترك اليوم إقامة الحق عليك مخافة الفتنة عاما قابلا . وأما قولك : لا يحل دم إلا بإحدى ثلاث ؛ فإنا نجد في كتاب الله إباحة دم غير الثلاثة : دم من سعى في الأرض بالفساد ، ودم من بغى ثم قاتل على بغيه ، ودم من حال دون شيء من الحق ومنعه وقاتل دونه ؛ وقد بغيت ومنعت الحق ، وحلت دونه ، وكابرت عليه ، ولم تقد من نفسك من ظلمته ، ولا من عمالك ، وقد تمسكت بالإمارة علينا ، والذين يقومون دونك ويمنعوك ، إنما يمنعونك ويقاتلوننا لتسميتك بالإمارة ، فلو خلعت نفسك لانصرفوا عن القتال معك .
فسكت عثمان ولزم الدار ، وأمر أهل المدينة بالرجوع ، وأقسم عليهم فرجعوا ، إلا الحسن بن علي ، ومحمد بن طلحة ، وعبد الله بن الزبير وأشباها لهم ، وكانت مدة الحصار أربعين يوما .
قال أبو جعفر : ثم إن محاصري عثمان أشفقوا من وصول أجناد من الشام والبصرة تمنعه ، فحالوا بين عثمان وبين الناس ، ومنعوه كل شيء حتى الماء ، فأرسل عثمان سرا إلى علي عليه السلام ، وإلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد منعونا الماء ، فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا ماء فافعلوا . فجاء علي عليه السلام في الغلس وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، فوقف علي عليه السلام على الناس فوعظهم ، وقال : أيها الناس ؛ إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين ، إن فارس والروم لتأسر فتطعم وتسقي ، فالله الله ! لا تقطعوزا الماء عن الرجل ؛ فأغلظوا له وقالوا : لا نعم ولا نعمة عين . فلما رأى منهم الجد نزع عمامته عن رأسه ، ورمى بها إلى دار عثمان ، يعلمه أنه قد نهض وعاد .
Página 92