273

Comentario sobre El Sendero de la Elocuencia

شرح نهج البلاغة

Editor

محمد عبد الكريم النمري

Editorial

دار الكتب العلمية

Edición

الأولى

Año de publicación

1418 AH

Ubicación del editor

بيروت

وروى أبو جعفر ، قال : كان عمرو بن العاص شديد التحريض والتأليب على عثمان ، وكان يقول : والله إن كنت لألقى الراعي فأحرضه على عثمان ، فضلا عن الرؤساء والوجوه . فلما سعر الشر بالمدينة ، خرج إلى منزله بفلسطين ، فبينا هو بقصره ومعه ابناه : عبد الله ومحمد ؛ وعندهم سلامة بن روح الجذامي ، إذ مر بهم راكب من المدينة فسألوه عن عثمان ، فقال : محصور ، فقال عمرو : أنا أبو عبد الله ! قد يضرط العير والمكواة في النار . ثم مر بهم راكب آخر ، فسألوه ، فقال : قتل عثمان ، فقال عمرو : انا أبو عبد الله ، إذا نكات قرحة أدميتها . فقال سلامة بن روح يا معشر قريش ؛ إنما كان بينكم وبين العرب باب فكسرتموه ، فقال : نعم أردنا أن يخرج الحق من خاصرة الباطل ، ليكون الناس في الأمر شرعا سواء . وروى أبو جعفر قال : لما نزل القوم ذا خشب يريدون قتل عثمان إن لم ينزع عما يكرهون ، وعلم عثمان ذلك ، جاء إلى منزل علي عليه السلام ، فدخل وقال : يابن عم ، إن قرابتي قريبة ، ولي عليك حق ، وقد جاء ما ترى من هؤلاء القوم وهم مصبحي ، ولك عند الناس قدر ، وهم يسمعون منك ، وأحب أن تركب إليهم فتردهم عني ، فإن في دخولهم علي وهنا لأمري ، وجرأة علي . فقال عليه السلام : على أي شيء أردهم ؟ قال : على أن أصير إلى ما أشرت به ، ورأيته لي . فقال علي عليه السلام : إني قد كلمتك مرة بعد أخرى ، فكل ذلك تخرج وتقول ، وتعد ثم ترجع ! وهذا من فعل مروان ومعاوية وابن عامر وعبد الله بن سعد ، فإنك أطعتهم وعصيتني ! قال عثمان : فإني أعصيهم وأطيعك .

فأمر علي عليه السلام الناس أن يركبوا معه ، فركب ثلاثون رجلا من المهاجرين والأنصار ، منهم سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وأبو جهم العدوي ، وجبير بن مطعم ، وحكيم بن حزام ، ومروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ، ومن الأنصار أبو أسيد الساعدي ، وزيد بن ثابت ، وحسان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وغيرهم .

فأتوا المصريين فكلموهم ، فكان الذي يكلمهم علي ومحمد بن مسلمة ، فسمعوا منهما ، ورجعوا بأصحابهم يطلبون مصر ، ورجع علي عليه السلام حتى دخل على عثمان ، فأشار عليه أن يتكلم بكلام يسمعه الناس منه ، ليسكنوا إلى ما يعدهم به من النزوع . وقال له : إن البلاد قد تمخضت عليك ، ولا آمن أن يجيء ركب من جهة أخرى ، فتقول لي : يا علي ، اركب إليهم ، فإن لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمك ، واستخففت بحقك .

فخرج عثمان ، فخطب الخطبة التي نزع فيها ، وأعطى الناس من نفسه التوبة ، وقال لهم : أنا أول من اتعظ ، وأستغفر الله عما فعلت وأتوب إليه ، فمثلي نزع وتاب ؛ فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروا رأيهم ، وليذكر كل واحد ظلامته ، لأكشفها ، وحاجة لأقضيها ، فوالله لئن ردني الحق عبدا لأستن بسنة العبيد ، ولأذلن ذل العبيد ، وما عن الله مذهب إلا إليه ، والله لأعطينكم الرضا ، ولأنحين مروان وذويه ، ولا أحتجب عنكم .

فرق الناس له وبكوا حتى خضلوا لحاهم ، وبكى هو أيضا ، فلما نزل وجد مروان وسعيدا ونفرا من بني أمية في منزله قعودا لم يكونوا شهدوا خطبته ؛ ولكنها بلغتهم ؛ فلما جلس ، قال مروان : يا أمير المؤمنين ، أأتكلم أم أسكت ؟ فقالت نائلة ابنة الفرافصة امرأة عثمان : لا بل تسكت ، فأنتم والله قاتلوه وميتموا أطفاله ، إنه قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها .

فقال لها مروان : وما أنت وذاك ! والله لقد مات أبوك وما يحسن أن يتوضأ ! فقالت : مهلا يا مروان عن ذكر أبي إلا بخير ؛ والله لولا أن أباك عم عثمان ، وأنه يناله غمه وعيبه ، لأخبرتك من أمره بما لا أكذب فيه عليه .

فأعرض عنه عثمان ، ثم عاد فقال : يا أمير المؤمنين ، أأتكلم أم أسكت ، فقال : تكلم ، فقال : بأبي أنت وأمي ! والله لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممتنع ، فكنت أول من رضي بها وأعان عليها ؛ ولكنك قلت ما قلت ، وقد بلغ الحزام الطبيين ، وجاوز السيل الزبى ، وحين أعطى الخطة الذليلة الذليل : والله لإقامة على خطيئة تستغفر الله منها ، أجمل من توبة تخوف عليها ، ما زدت على أن جرأت عليك الناس .

Página 87