230

Comentario sobre El Sendero de la Elocuencia

شرح نهج البلاغة

Editor

محمد عبد الكريم النمري

Editorial

دار الكتب العلمية

Número de edición

الأولى

Año de publicación

1418 AH

Ubicación del editor

بيروت

فكتب إلى شرحبيل : إن جرير بن عبد الله قدم علينا من عند علي بن أبي طالب بأمر مفظع ، فاقدم . ودعا معاوية يزيد بن أسد ، وبسر بن أرطأة ، وعمرو بن سفيان ، ومخارق بن الحارث الزبيدي ، وحمزة بن مالك ، وحابس بن سعد الطائي - وهؤلاء رؤوس قحطان واليمن ، وكانوا ثقات معاوية وخاصته وبني عم شرحبيل بن السمط - فأمرهم أن يلقوه ويخبروه أن عليا قتل عثمان . فلما قدم كتاب معاوية على شرحبيل وهو بحمص ، استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه ، فقام إليه عبد الرحمن بن غنم الأزدي - وهو صاحب معاذ بن جبل وختنه ، وكان أفقه أهل الشام - فقال : يا شرحبيل بن السمط ، إن الله لم يزل يزيدك خيرا منذ هاجرت إلى اليوم ، وإنه لا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من الناس ، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . إنه قد ألقي إلى معاوية أن عليا قتل عثمان ، ولهذا يريدك ، فإن كان قتله فقد بايعه المهاجرون والأنصار ، وهم الحكام على الناس ، وإن لم يكن قتله ، فعلام تصدق معاوية عليه ! لا تهلكن نفسك وقومك ؛ فإن كرهت أن يذهب بحظها جرير ، فسر إلى علي ، فبايعه عن شامك وقومك فأبى شرحبيل إلا أن يسير إلى معاوية ، فكتب إليه عياض الثمالي - وكان ناسكا :

يا شرح بن السمط إنك بالغ . . . يود علي ما تريد من الأمر

ويا شرح إن الشام شامك ما بها . . . سواك فدع عنك المضلل من فهر

فإن ابن هند ناصب لك خدعة . . . تكون علينا مثل راغية البكر

فإن نالوا ما يرجو بنا كان ملكنا . . . هنيئا له ، والحرب قاصمة الظهر

فلا تبغين حرب العراق فإنها . . . تحرم أطهار النساء من الذعر

وإن عليا خير من وطئ الثرى . . . من الهاشميين المداريك للوتر

له في رقاب الناس عهد وذمة . . . كعهد أبي حفص وعهد أبي بكر

فبايع ولا ترجع على العقب كافرا . . . أعيذك بالله العزيز من الكفر !

ولا تسمعن قول الطغاة فإنهم . . . يريدون أن يلقوك في لجة البحر

وماذا عليهم أن تطاعن دونهم . . . عليا بأطراف المثقفة السمر

فإن غلبوا كانوا علينا أئمة . . . وكنا بحمد الله من ولد الطهر

وإن غلبوا لم يصل بالخطب غيرنا . . . وكان علي حربنا آخر الدهر

يهون على عليا لؤي بن غالب . . . دماء بني قحطان في ملكهم تجري

فدع عنك عثمان بن عفان إنما . . . لك الخير لا تدري بأنك لا تدري

على أي حال كان مصرع جنبه . . . فلا تسمعن قول الأعيور أو عمرو

قال : فلما قدم شرحبيل على معاوية ، أمر الناس أن يتلقوه ويعظموه ، فلما دخل على معاوية ، تكلم معاوية فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : شرحبيل : إن جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة علي ، وعلي خير الناس ؛ لولا أنه قتل عثمان بن عفان ، وقد حبست نفسي عليك ، وإنما أنا رجل من أهل الشام ، أرضى ما رضوا وأكره ما كرهوا .

فقال شرحبيل : أخرج فأنظر . فلقيه هؤلاء النفر الموطئون له ، فكلهم أخبره أن عليا قتل عثمان ، فرجع مغضبا إلى معاوية فقال : معاوية ، أبى الناس إلا أن عليا قتل عثمان ، والله إن بايعت له لنخرجك من شامنا أو لنقتلنك . فقال معاوية : ما كنت لأخالف عليكم ، ما أنا إلا رجل من أهل الشام . قال : فرد هذا الرجل إلى صاحبه إذن . فعرف معاوية أن شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق ، وأن الشام كله مع شرحبيل ، وكتب إلى علي عليه السلام ما سنورده فيما بعد ، إن شاء الله تعالى .

Página 44