Comentario sobre El Sendero de la Elocuencia
شرح نهج البلاغة
Editor
محمد عبد الكريم النمري
Editorial
دار الكتب العلمية
Número de edición
الأولى
Año de publicación
1418 AH
Ubicación del editor
بيروت
وبعد ، فليس هذا من أحكام الكتاب التي يعذر من لا يعرفها على ما ظن المعتذر له . ونحن نقول : إن عمر كان أجل قدرا من أن يعتقد ما ظهر عنه في هذه الواقعة ، ولكنه لما علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات ، خاف من وقوع فتنة في الإمامة ، وتقلب أقوام عليها ، إما من الأنصار أو غيرهم ، وخاف أيضا من حدوث ردة ، ورجوع عن الإسلام ، فإنه كان ضعيفا بعد لم يتمكن ، وخاف من ترات تشن ، ودماء تراق ، فإن أكثر العرب كان موتورا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتل من قتل أصحابه منهم ، وفي مثل ذلك الحال تنتهز الفرصة ، وتهتبل الغرة ، فاقتضت المصلحة عنده تسكين الناس بأن أظهر ما أظهره من كون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت ، وأوقع تلك الشبهة في قلوبهم ، فكسر بها شرة كثير منهم ، وظنوها حقا ، فثناهم بذلك عن حادث يحدثونه ، تحيلا منهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات ، وإنما غاب كما غاب موسى عن قومه ، وهكذا كان عمر يقول لهم : إنه قد غاب عنكم كما غاب موسى عن قومه ، وليعودن فليقطعن أيدي قوم أرجفوا بموته .
ومثل هذا الكلام يقع في الوهم ، فيصد عن كثير من العزم ؛ ألا ترى أن الملك إذا مات في مدينة وقع فيها في أكثر الأمر نهب وفساد وتحريق ، وكل من في نفسه حقد على آخر بلغ منه غرضه ، إما بقتل أو جرح أو نهب مال ؛ إلى أن تتمهد قاعدة الملك الذي يلي بعده ؛ فإذا كان في المدينة وزير حازم الرأي ، كتم موت الملك ، وسجن قوما ممن أرجف نداء بموته ، وأقام فيهم السياسة ، وأشاع أن الملك حي ، وأن أوامره وكتبه نافذة ، ولا يزال يلوم ذلك الناموس إلى أن يمهد قاعدة الملك للوالي بعده ؛ وكذلك عمر أظهر ما أظهر حراسة للدين والدولة ، إلى أن جاء أبو بكر - وكان غائبا بالسنح ، وهو منزل بعيد عن المدينة - فلما اجتمع بأبي بكر قوي به جأشه ، واشتد به أزره ، وعظم طاعة الناس له وميلهم إليهم ، فسكت حينئذ عن تلك الدعوى التي كان ادعاها ، لأنه قد آمن بحضور أبي بكر من خطب يحدث ، أو فساد يتجدد ؛ وكان أبو بكر محببا إلى الناس ؛ لا سيما المهاجرين .
ويجوز عند الشيعة وعند أصحابنا أيضا أن يقول الإنسان كلاما ظاهر الكذب على جهة المعاريض ، فلا وصمة على عمر إذا كان حلف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت ، ولا وصمة عليه في قوله بعد حضور أبي بكر وتلاوة ما تلا : كأني لم أسمعها ، أو قد تيقنت الآن وفاته صلى الله عليه وسلم ، لأنه أراد بهذا القول الأخير تشييد القول الأول ، وكان هو الصواب ، وكان من سيئ الرأي وقبيحه أن يقول : إنما قلته تسكينا لكم ، ولم أقله عن اعتقاد ، فالذي بدأ به حسن وصواب ، والذي ختم به أحسن وأصوب .
وروى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة عن عمر بن شبة ، عن محمد ابن منصور ، عن جعفر بن سليمان ، عن مالك بن دينار ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث أبا سفيان ساعيا ، فرجع من سعايته وقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلقيه قوم فسألهم ، فقالوا : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : من ولي بعده ؟ قيل : أبو بكر ، قال : أبو فصيل ! قالوا : نعم ، قال : فما فعل المستضعفان : علي والعباس ! أما والذي نفسي بيده لأرفعن لهما من أعضادهما .
Página 27