[النص]
عما بين يديه من المثلات (1) حجزته التقوى عن تقحم الشبهات. ألا وإن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيكم صلى الله عليه وآله (2) والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة. ولتغربلن غربلة. ولتساطن سوط القدر (3) حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم.
وليسبقن سابقون كانوا قصروا. وليقصرن سباقون كانوا سبقوا (4).
[الشرح]
ذمتي كما تقول في عنقي وذلك كناية عن الضمان والالتزام. والزعيم الكفيل. يريد أنه ضامن لصدق ما يقول كفيل بأنه الحق الذي لا يدافع (1) العبر بكسر ففتح جمع عبرة بمعنى الموعظة، والمثلات العقوبات، أي من كشف له النظر في أحوال من سبق بين يديه وحقق له الاعتبار والاتعاظ أن العقوبات التي نزلت بالأمم والأجيال والأفراد من ضعف وذل وفاقة وسوء حال إنما كانت بما كسبوا من ظلم وعدوان وما لبسوا من جهل وفساد أحوال ملكته التقوى وهي التحفظ من الوقوع فيما جلب تلك العقوبات لأهلها فمنعته عن تقحم الشبهات والتردي فيها، فإن الشبهة مظنة الخطيئة والخطيئة مجلبة.
العقوبة (2) إن بلية العرب التي كانت محيطة بهم يوم بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم هي بلية الفرقة ومحنة الشتات حيث كانوا متباغضين متنافرين يدعو كل إلى عصبيته وينادي نداء عشيرته يضرب بعضهم رقاب بعض، فتلك الحالة التي هي مهلكة الأمم قد صاروا إليها بعد مقتل عثمان، بعثت العداوات التي كان قد قتلها الدين، ونفخت روح الشحناء بين الأمويين والهاشميين واتباع كل ولا حول ولا قوة إلا بالله (3) لتبلبلن أي لتخلطن. من نحو تبلبلت الألسن اختلطت، ولتغربلن أي لتقطعن من غربلت اللحم أي قطعته ولتساطن من السوط وهو أن تجعل شيئين في الإناء وتضربهما بيدك حتى يختلطا. وقوله سوط القدر أي كما تختلط الابزار ونحوها في القدر عند غليانه فينقلب أعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها، وكل ذلك حكاية عما يؤولون إليه من الاختلاف وتقطع الأرحام وفساد النظام (4) ولقد سبق معاوية إلى مقام الخلافة وقد كان في قصوره عنه بحيث لا يظن وصوله إليه، وقصر آل بيت النبوة عن بلوغه
Página 47