الصندوق الخيَري لنِشر البُحوثِ وَالرسَائِل العلمية
(٢٣)
الدرَاسَات الفِقهيَّة
(١٨)
شَرحُ مشكِل الوَسِيطِ
لأبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري
ابن الصَّلاح (ت/ ٦٤٣ هـ)
دراسة وتحقيق
د. عبد المنعم خليفة أحمد بلال
المجلد الأول
دار كنوز إشبيليا
للنشر والتوزيع
المقدمة / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
أصل هذا الكتاب
رسالتان علميتان مقدمتان إلى قسم الفقه بكلية الشريعة، الجامعة الإِسلامية بالمدينة المنورة، بإشراف فضيلة الأستاذ الدكتور/ حمد بن حماد بن عبد العزيز الحماد، وقد قام بتحقيق الكتاب كل من:
* عبد المنعم خليفة أحمد بلال، من أول الكتاب إلى نهاية كتاب الصلاة، ونوقشت رسالته بتاريخ ١٧/ ٨/ ١٤١٩ هـ.
* محمَّد بلال بن محمَّد أمين، من كتاب الزكاة إلى نهاية الكتاب، ونوقشت رسالته بتاريخ ٢٦/ ١١/ ١٤١٩ هـ.
المقدمة / 2
شرح مشكل الوسيط
١
المقدمة / 3
ح دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع الرياض ١٤٣٢ هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن
شرح مشكل الوسيط/ عثمان بن عبد الرحمن ابن الصلاح؛
عبد المنعم خليفة أحمد بلال الرياض ١٤٣٢ هـ.
٤١٦؛ صفحة ١٧×٢٤ سم
ردمك: ٧ - ٢١ - ٧٠١ - ٩٩٦٠ (مجموعة)
٥ - ٢٥ - ٧٠١ - ٩٩٦٠ (ج ١)
١. الفقه الشافعي أ - بلال عبد المنعم أحمد خليفة (محقق)
ب. العنوان
ديوي ٢٥٨.٣ - ٨٠/ ١٤٢٧
رقم الإيداع: ٨٠/ ١٤٢٧
ردمك: ٧ - ٢١ - ٧٠١ - ٩٩٦٠ (مجموعة)
٥ - ٢٥ - ٧٠١ - ٩٩٦٠ (ج ١)
ساعد على نشره ليباع بسعر التكلفة
س
هذه الطبعة بدعم من
مؤسسة سليمان بن عبد العزيز الراجحي الخيرية
جزاهم الله خيرًا
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولى
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع
المملكة العربية السعودية ص. ب ٢٧٢٦١ الرياض ١١٤١٧
هاتف: ٤٩١٤٧٧٦ - ٤٩٦٨٩٩٤ فاكس: ٤٤٥٣٢٠٣
E- mail: [email protected]
المقدمة / 4
مقدمة الناشر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فإن خدمة العلم من أفضل ما بُذلت فيه الأوقات؛ وصُرفت إليه الهمَمُ، وتضافرت فيه الجهود، تصنيفًا وتحقيقًا، ومن ثمَّ نشرًا وتوزيعًا، وتوعيةً بما تشتد الحاجة للتوعية به.
وبين أيدينا كتاب مهم من كتب الفقه عمومًا، وكتب الفقه الشافعي خصوصًا: (شرح مشكل الوسيط)؛ فمتنه كتاب (الوسيط) معدود ضمن الكتب الخمسة التي يدور عليها الفقه الشافعي، والكتاب الذي بين أيدينا بيانٌ لما غَمُض وأشكل من هذا المتن. ثم إن مؤلفه (ابن الصلاح) ﵀ أحد كبار الأئمة المشهورين، عُرف بمكانته العلمية بين علماء عصره، وشهد له العلماء بغزارة العلم وعمق النظر ودقة التحقيق بما يجعل من كتابه مصنفًا مهمًا في بابه، وإضافة نوعية لكتب التراث التي ترى النور.
ولما كان أصل الكتاب رسالتين علميتين صُدرت كل رسالة منهما بمقدمة وتمهيد، فقد عمدنا لدمج المقدمتين والتمهيدين المثبتين بأصل الرسالتين مع التأليف بينهما، وحذف ما تكرر فيهما من مسائل، وأثبتنا اسم كل محقق على الجزء الذي قام بتحقيقه.
أما الفهارس واختصارًا للوقت فقد اكتفينا بثبت المصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات، علمًا بان الرسالتين في الأصل ذيلتا بفهارس عدة، هي:
(أ) فهرس الآيات القرآنية الكريمة.
المقدمة / 5
(ب) فهرس الأحاديث النبوية الشريفة.
(ج) فهرس الآثار.
(د) فهرس الأعلام المترجم لهم في الكتاب.
(هـ) فهرس المصطلحات والكلمات الغريبة.
(و) فهرس الأماكن والبلدان.
(ز) فهرس المصادر والمراجع.
(ح) فهرس الموضوعات.
نسأل الله أن يجازي كل من أعان على إخراج هذا الكتاب خير الجزاء، ونخص بالدعاء كلًا من فضيلة المشرف على الرسالتين، والمحققين الذيْن لم يألوا جهدًا في خدمة الكتاب، فنسأل الله أن يجعل ما بذلاه في ميزان حسناتهم.
والشكر موصول كذلك لكل من نبه على ملحوظة مهمة، أو تعديل يصلح من شأن الكتاب ليعم النفع به.
وبالله التوفيق، والحمد لله أولًا وآخرًا.
اللجنة العلمية
بدار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع
المقدمة / 6
تقديم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: فإن أهمية هذا الكتاب: (شرح مشكل الوسيط) ترجع إلى عدَّة أمور:
أحدها: المتن الذي بُني عليه هذا الشرح، وهو كتاب (الوسيط) الذي يعد أحد كتب خمسة يدور عليها الفقه الشافعي، له مكانة هامة بين الكتب الفِقهيَّة عمومًا وبين كتب الشافعية خصوصًا.
الثاني: مؤلف هذا المتن: وهو أحد أذكياء العالم، الشافعي الثاني، حجة الإِسلام، مجتهد زمانه، المشهود له بالإمامة، بل عده بعضهم مجدد القرن الخامس الهجري.
الثالث: مكانة مؤلف هذا الشرح (ابن الصلاح) أحد كبار الأئمة المشهورين، برع وتفوق في علوم شتى من أهمها: الفقه وأصوله تدقيقًا وتحقيقًا، والحديث روايةً ودرايةً، وشهد له العلماء المحققون بطول الباع وسعة الاطلاع، وجودة التحقيق وعمق التدقيق.
مما تقدم يتبين أهمية هذا الشرح وما له من مكانة متميزة، يضاف إلى ذلك اشتماله على نقولات هامة عن كتب أئمة سبقوه كثير منها مفقود. فلا غرابة أن كثيرًا من العلماء المحققين الذين جاءوا بعده نقلوا عنه واستفادوا منه.
هذا وقد زاد في جمال الكتاب وكماله ما قام به الباحثان/ عبد المنعم خليفة أحمد بلال، ومحمد بلال بن محمَّد أمين، من تحقيق وتوثيق نصوصه، والتعليق عليه بما يخدمه. كما قدم له بدراسة وافية ضافية عن المؤلف والكتاب، وفي هذا كله جهد مشكور.
أسأل الله العلي القدير أن يثيب الجميع، وأن يجعله عملًا خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلبة العلم والباحثين وسائر المسلمين.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه ..
وكتبه/ أ. د. حمد بن حماد بن عبد العزيز الحماد
٢٥/ ١١ / ١٤٢٥ هـ
المقدمة / 7
تقديم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن كتاب (شرح مشكل الوسيط) للشيخ العلامة المحدث (ابن الصلاح) أحد كبار علماء الحديث في عصره من الكتب القيمة التىِ ينبغي لطالب العلم أن يقتنيه في مكتبته للاستفادة منه، وقد اشتمل هذا الكتاب على التنبيه على ما في الوسيط من إشكال أو خطأ، سواء كان في العقيدة أو الحديث أو الفقه، أو غير ذلك، ثم بيان الصواب في ذلك، وكذلك اشتمل على الحكم على أحاديث اشتهرت عند الفقهاء بالصحة أو الضعف، وقد قام بتحقيق القسم الأول من الكتاب فضيلة الشيخ الأخ/ عبد المنعم بن خليفة بن أحمد بلال وفقه الله، وقد بذل فيه ما وسعه من جهد ووقت، حيث خرج هذا القسم بأحسن صورة من التحقيق العلمي المتقن، وبناء على ذلك فإنني أرى أنه جدير بطباعته واقتنائه، لا سيما وقد اشتمل على فوائد علمية قيمة لا تجدها في غيره، إلا بعد تعب وعناء.
هذا ما ظهر لي وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه الفقير إلى الله تعالى
عبد المحسن بن محمَّد بن عبد المحسن المنيف
أستاذ الفرائض بكلية الشريعة
وعميد البحث العلمي
بالجامعة الإِسلامية بالمدينة المنورة
المقدمة / 9
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (١).
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (٢).
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (٣) (٤).
أما بعد:
فإن الفقه من أفضل العلوم وأشرفها؛ فبه يعلم الحلال والحرام، وبه تعرف الأحكام. فمن للمستجدات من المسائل والنوازل غير الفقهاء؟ ومن لتبيين الأوامر والنواهي والحدود وضبطها غيرهم؟ ولهذا جعل النبي ﷺ علامة إرادة الله الخير للعبد الفقه في الدين فقال ﷺ: (مَن يُرِد الله به خيرًا
_________
(١) سورة آل عمران الآية (١٠٢).
(٢) سورة النساء الآية (١)
(٣) سورة الأحزاب الآيتان (٧٠ - ٧١).
(٤) هذه هى خطبة الحاجة التي كان رسول الله ﷺ يعلمها أصحابه ليبتدئوا بها حاجاتهم، وقد رواها ابن ماجة في سننه كتاب النكاح، باب خطبة النكاح ١/ ٦٠٩ برقم (١٨٩٢) واللفظ له، وغيره.
المقدمة / 11
يفقّهه في الدين) (١)، ولا شكَّ أن فقه الأحكام يدخل دخولًا أوليًّا فيه، بل حثَّ ﵇ على تبليغ العلم ونشره حتى يصل إلى الفقهاء (٢) فيبيِّنوا به الحلال والحرام.
ومن هذا جاء سبب اختيار تحقيق هذا الكتاب ليكون موضوعًا لنيل درجة العالمية - الماجستير - من قسم الفقه بكلية الشريعة بالجامعة الإِسلاميَّة بالمدينة النبوية، ويتمثَّل سبب الاختيار في الآتي:
* إبراز تراث هذه الأمة - محققًا منقحًا - حتى يرتبط آخرها بسلفها، وذلك بنشر مصنفات كبار الأئمة ومن بينها كتاب "شرح مشكل الوسيط".
* قيمة الكتاب العلميَّة، وسمو مكانته بين كتب الفقه عمومًا وكتب الفقه الشافعي خصوصًا هو ومتنه كتاب "الوسيط". فالوسيط أحد الكتب الخمسة التي يدور عليها الفقه الشافعي، وهذا الكتاب شرح وبيان لما غَمُض وأشكل منه، مع اعتماد من جاء بعد مؤلِفه عليه.
* مكانة مؤلفه - ابن الصلاح - ورفعة شأنه، وذيوع صيته، وشهرته؛ إذ تبوأ مكانة مرموقة سامية بين علماء عصره، فقد نال علوم عصره المتنوعة، وبرع في فنون: التفسير، والحديث، والفقه، وأصوله، وعلوم العربيَّة، وغيرها. وقد شهد له العلماء بغزارة العلم، وعمق النظر، وطول الباع، وسعة
_________
(١) صحيح البخاري - مع الفتح - كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين ١/ ١٩٧ برقم (٧١)، وصحيح مسلم - مع النووي - كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة ٧/ ١٢٨.
(٢) عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (نضَّر الله امرءًا سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه، فربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربَّ حامل فقه ليس بفقيه)، جامع الترمذي كتاب العلم، باب ما جاء في الحثِّ على تبليغ السماع ٥/ ٣٤ برقم (٢٦٥٨) وقال: "حسن صحيح".
المقدمة / 12
الاطلاع، ودقة التحقيق، وكمال المعرفة، كل ذلك مع العبادة، والطاعة، والنسك، والورع.
وقد تم تقسيم العمل في هذا الكتاب إلى قسمين: قسم الدراسة، وقسم التحقيق.
المقدمة / 13
أولًا
القسم الدراسي
ويشتمل على أربعة فصول
المقدمة / 15
الفصل الأول: ترجمة الإِمام الغزالي
وفيه ستة مباحث:
المبحث الأول: اسمه، ونسبه، وكنيته، ولقبه، ومولده
هو الإِمام المشهور بحجَّة الإِسلام، زين الدين أبو حامد محمَّد بن محمَّد بن محمَّد بن أحمد الطوسي الغزالي الشافعي (١).
فالطوسي: نسبة إلى طوس التي ولد بها، وهي ثاني مدينة في خراسان بعد نيسابور (٢).
أما الغزالي: فقد اختلف في ضبطه، وهذا الاختلاف أدى إلى الاختلاف في سبب تسميته به؛ فذهب الأكثرون إلى تشديد الزاي نسبة إلى الغزَّال، أي كثير الغزل، ولقِّب به؛ لأن والده وجده كانا يغزلان الصوف (٣). وهناك من ذهب إلى أنه بتخفيف الزاي، وهؤلاء اختلفوا في سبب تسميته به على هذا الضبط،
_________
(١) انظر ترجمته في: المنتظم ١٧/ ١٢٤، الكامل في التاريخ ١٠/ ٤٩١، طبقات ابن الصلاح ١/ ٢٤٩، وفيات الأعيان ٤/ ٢١٦، دول الإِسلام ٢/ ٣٤، السير ١٩/ ٣٢٢، العبر ٤/ ١٠، الوافي بالوفيَّات ١/ ٢٧٤، مرآة الجنان ٣/ ١٧٧، طبقات السبكي ٦/ ١٩١، طبقات الأسنوي ٢/ ٢٤٢، البداية والنهاية ٧٧٤، النجوم الزاهرة ٥/ ٢٠٣، مفتاح السعادة ٢/ ١٩١، كشف الظنون ١/ ٢٣، ١٢، ٣٦، شذرات الذهب ٤/ ١٠، إتحاف السادة المتقين ١/ ٦ - ٥٣، هدية العارفين ٢/ ٧٩.
(٢) انظر: معجم البلدان ٤/ ٥٥.
(٣) انظر: طبقات السبكي ٦/ ١٩٣، إتحاف السادة المتقين ١/ ١٨.
المقدمة / 17
فقيل: نسبة إلى غَزَالة، وهي قرية من قرى طوس (١). وقال الآخرون: منسوب إلى غزالة ابنة كعب الأحبار (٢). والأول - التشديد - هو الأشهر عند أصحاب التراجم (٣).
وللإمام الغزالي لقبان: أشهرهما: حجّة الإِسلام، والآخر: زين الدين (٤). أما مولده فقد كان في طوس سنة (٤٥٠) هـ، وهذا باتفاق بين مصادر ترجمته (٥)، إلا أن ابن خلِّكان قال: وقيل سنة إحدى وخمسين (٦).
المبحث الثاني: نشأته ورحلاته
نشأ الغزالي في كنف والده، وكان رجلًا فقيرًا صالحًا لا يأكل إلا من كسب يديه في عمل غزل الصوف، وكان مع ذلك يطوف على الفقهاء ويجالسهم، ويغشى مجالس الوعظ، وكان يدعو الله أن يرزقه ابنًا فقيهًا وآخر واعظًا، فاستجاب الله دعوته (٧) فكان ابنه محمَّد من أشهر الفقهاء، وابنه أحمد من أشهر الوعَّاظ.
_________
(١) انظر: المصباح المنير ص: ١٧٠.
(٢) انظر: إتحاف السادة المتقين ١/ ١٨.
(٣) انظر: طبقات ابن قاضي شهبة ١/ ٢٠٥، إتحاف السادة ١/ ١٨.
(٤) انظر: السير ١٩/ ٣٢٢، طبقات الأسنوي ٢/ ١١١، شذرات الذهب ٤/ ١٠، طبقات ابن قاضي شهبة ١/ ٣٢٦.
(٥) انظر مثلًا: المنتظم لابن الجوزي ١٧/ ١٢٤، طبقات السبكي ٦/ ١٩٣، طبقات الأسنوي ٢/ ١١١.
(٦) وفيات الأعيان ٣/ ٢١٨.
(٧) انظر: العبر ٥/ ٢٠٣، طبقات السبكي ٦/ ١٩٣، إتحاف السادة ١/ ٧.
المقدمة / 18
ولمَّا حضرته الوفاة عهد بولَديه إلى صديق له متصوِّف يظن به خيرًا، فعلَّمهما هذا المتصوِّف الخطَّ على وصيَّة والدهما (١). فلمَّا فني ما تركه لهما أبوهما، وتعذَّرت عليهما النفقة، وجَّههما هذا المتصوِّف إلى المدرسة ليطلبا فيها العلم فتحصل لهما النفقة فيها، فكان الغزالي يقول: "طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله" (٢). فقرأ الغزالي شيئًا من الفقه في صباه بطوس على الشيخ أحمد ابن محمَّد الراذكاني (٣).
ثم رحل في طائفة من طلبة العلم إلى نيسابور، فلازم إمام الحرمين الجويني، فجدَّ واجتهد، حتى برع في المذهب، والخلاف، والجدل، والأصول، والمنطق، والفلسفة، وأحكم كل ذلك في مدَّة قريبة، وفاق أقرانه، وصار أَنْظَر أهل زمانه، وذلك في حياة شيخه إمام الحرمين، وبدأ في التصنيف والردِّ على المبطلين (٤). وبقي هكذا إلى أن توفي شيخه إمام الحرمين، فخرج حينذاك من نيسابور إلى المعسكر، وفيه كان مجلس الوزير نظام الملك، وكان مجلسه مجمع أهل العلم، فهناك ناظر، وظهر، وذاع صيته، فنال إعجاب الوزير وقبوله، فرشَّحه ليدرِّس بالمدرسة النظَّاميَّة ببغداد (٥)، فارتحل إليها (سنة ٤٨٤ هـ) فدرَّس بها (٦)، وأعجب الناس به، حتى كان مسموع الكلمة، مشهور الاسم، يضرب به المثل.
_________
(١) انظر: طبقات السبكي الموضع السابق، إتحاف السادة كذلك الموضع السابق.
(٢) انظر: المصادر السابقة.
(٣) انظر: تبيين كذب المفتري ص: ٢٩١، طبقات السبكي ٦/ ١٩٥.
(٤) انظر: طبقات السبكي ٦/ ١٩٦، إتحاف السادة ١/ ٧.
(٥) انظر: تبيين كذب المفتري ص: ٢٩٢، السير ١٩/ ٣٢٣، طبقات السبكي ٦/ ١٩٧.
(٦) انظر: السير الموضع السابق، البداية والنهاية ١٢/ ١٨٥.
المقدمة / 19
ثم انخلع عن ذلك كله، فأقبل على العبادة، وخرج من بغداد قاصدًا بيت الله الحرام لأداء الحجِّ، وكان ذلك في ذي القعدة من سنة (٤٨٨) هـ (١)، ودخل بعد الحجِّ دمشق فلبث بها قليلًا، ثم انتقل منها إلى بيت المقدس، وأقام به مدة، ثم عاد إلى دمشق وأقام بها نحوًا من عشر سنين في الاعتكاف والعبادة والاجتهاد في الطاعة، وصنَّف كتابه إحياء علوم الدين وغيره في هذه الفترة (٢).
ثم قصد مصر وأقام بالاسكندريَّة مدة (٣)، ثم قفل راجعًا إلى خراسان، فمرَّ ببغداد ولم يقم بها طويلًا، وقد عقد بها مجلسًا للوعظ، وحدَّث بكتابه الإحياء (٤). ثم خرج منها متوجِّهًا إلى وطنه طوس، فلازم بيته مشتغلًا بالتفكر والعبادة. فلمَّا آلت الوزارة في بغداد إلى فخر الملك الحَّ عليه والتمس منه التدريس وشدَّد عليه في ذلك، فأجابه الغزالي إلى ما أراد، فقدم نيسابور فدرَّس بنظاميَّتها وجلس للإفادة (٥).
ثم ترك التدريس بها، وعاد إلى بيته، واتخذ في جواره مدرسة لطلبة العلم، ورباطًا للصوفيَّة، فكان يتردد بينهما للعبادة والتدريس (٦). ثم كان خاتمة أمره إقباله على الحديث، ومجالسة أهله، ومطالعة الصحيحين وغيرهما، واستمر على هذه الحال حتى وفاته (٧).
_________
(١) انظر: وفيات الأعيان ٣/ ٢١٧، طبقات السبكي ٦/ ١٩٧.
(٢) انظر: المصدرين الأخيرين.
(٣) انظر: وفيات الأعيان ٣/ ٢١٧، طبقات السبكي ٦/ ١٩٩.
(٤) انظر: طبقات السبكي ٦/ ٢٠٠، مؤلفات الغزالي ص: ٢٤.
(٥) انظر: السير ١٩/ ٣٢٤، البداية والنهاية ١٢/ ١٨٦.
(٦) انظر: المرجعين السابقين، وطبقات السبكي ٦/ ٢١٠.
(٧) انظر: تبيين كذب المفتري ص: ٢٩٦، طبقات السبكي الموضع السابق.
المقدمة / 20
المبحث الثالث: أشهر شيوخه وتلاميذه
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أشهر شيوخه
درس الغزالي على عدد من المشايخ، وأفاد منهم علومه، ومن أبرزهم:
* أحمد بن محمَّد الطوسي أبو حامد الراذكاني (١).
* أبو سهل محمَّد بن أحمد بن عبيد الله المروزي الحفصي، توفي سنة (٤٦٥) هـ وقيل غير ذلك. (٢)
* أبو علي الفضل بن محمَّد الفارمذي الخراساني الواعظ، توفي بطوس سنة (٤٧٧) هـ (٣).
* أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني إمام الحرمين، توفي سنة (٤٧٨) هـ (٤).
* أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي ثم الدمشقي، توفي سنة (٤٩٠) هـ (٥).
_________
(١) انظر: طبقات السبكي ٤/ ٩١، طبقات الأسنوي ١/ ٢٨٧.
(٢) انظر: السير ١٨/ ٢٤٤، شذرات الذهب ٣/ ٣٢٥.
(٣) انظر: العبر ٣/ ٢٨٨، طبقات السبكي ٥/ ٣٠٤، شذرات الذهب ٣/ ٣٥٥.
(٤) انظر: وفيات الأعيان ٣/ ١٦٧، السير ١٨/ ٤٦٨، طبقات السبكي ٥/ ١٦٥، البداية والنهاية ١٢/ ١٣٦، طبقات الأسنوي ١/ ٤٠٩، شذرات الذهب ٣/ ٣٥٨.
(٥) انظر: تهذيب الأسماء واللغات ٢/ ١٢٥، السير ١٩/ ١٣٦، طبقات السبكي ٥/ ٣٥١.
المقدمة / 21
* أبو الفتيان عمر بن عبد الكريم بن سعدويه الدهستاني الرواسي، توفي سنة ٥٠٣) هـ (١).
* أبو الفتح نصر بن علي بن أحمد بن منصور بن شاذويه الطوسي الحاكمي، وغير هؤلاء (٢).
المطلب الثاني: أشهر تلاميذه
تتلمذ على الغزالي عدد كبير من طلبة العلم حيثما أقام، ومن ذلك: قول أبي بكر بن العربي: "كنت رأيته - أي الغزالي - ببغداد يحضر مجلسه نحو أربعمائة عمامة من أكابر الناس وأفاضلهم، يأخذون عنه العلم" (٣). فمن هؤلاء التلاميذ الذين صار لهم شأن في العلم والفضل، وانتفع بهم الناس كثيرًا:
* خلف بن أحمد النيسابوري (٤).
* إبراهيم بن المطهَّر أبو طاهر الشباك الجرجاني، توفي سنة (٥١٣) هـ (٥).
* أبو الفتح أحمد بن علي بن برهان بن الحمَّامي البغدادي الشافعي، توفي سنة (٥١٨) هـ (٦).
_________
(١) انظر: العبر ٤/ ٦، البداية والنهاية ١٢/ ١٨٣، شذرات الذهب ٤/ ٧.
(٢) انظر: طبقات السبكي ٦/ ٢٤٧، إتحاف السادة ١/ ١٩.
(٣) انظر: شذرات الذهب ٤/ ١٣.
(٤) انظر: طبقات السبكي ٧/ ٨٣.
(٥) انظر: طبقات السبكىِ ٧/ ٣٦، إتحاف السادة ١/ ٤٧.
(٦) انظر: وفيات الأعيان ١/ ٩٩، السير ١٩/ ٤٥٦، الوافي بالوفيَّات ٧/ ٢٠٧.
المقدمة / 22
* أبو الحسن علي بن المُسلَّم بن محمَّد بن علي بن الفتح السُلمي الدمشقي توفي سنة (٥٣٣) هـ (١).
* أبو الفتوح محمَّد بن الفضل بن محمَّد بن المعتمر الأسفراييني، توفي سنة (٥٣٨) هـ (٢).
* أبو منصور سعيد بن محمَّد بن عمر بن الرزَّاز الشافعي البغدادي، توفي سنة (٥٣٩) هـ (٣).
* أبو عبد الله مروان بن علي بن سلامة بن مروان الطنزي، توفي بعد سنة (٥٤٠) هـ (٤).
* أبو الحسن سعد الخير بن محمَّد بن سهل بن سعد الأنصاري الأندلسي البلنسي، توفي سنة (٥٤١) هـ (٥).
* أبو محمَّد عبد الرحمن بن علي بن أبي العباس النعيمي المعروف بالبارباذي، توفي سنة (٥٤٢) هـ (٦).
* أبو إسحاق إبراهيم بن محمَّد بن نبهان بن محرز الغنوي الرقِّي الصوفي، توفي ببغداد سنة (٥٤٣) هـ (٧).
_________
(١) انظر: تبيين كذب المفتري ص: ٣٢٦، طبقات السبكي ٧/ ٢٥١، طبقات الأسنوي ١/ ٢٥٧.
(٢) انظر: المنتظم ١٨/ ٣٥، السير ٢٠/ ١٣٩، إتحاف السادة ١/ ٤٧.
(٣) انظر: المنتظم ١٨/ ٤٠، طبقات السبكي ٧/ ٩٣، البداية والنهاية ١٢/ ٢٣٥.
(٤) انظر: طبقات السبكي ٧/ ٢٩٥، إتحاف السادة ١/ ٤٥.
(٥) انظر: السير ٢٠/ ١٥٨، طبقات السبكي ٧/ ٩٠، شذرات الذهب ٤/ ١٢٨.
(٦) انظر: طبقات السبكي ٧/ ١٥٢، طبقات الأسنوي ٢/ ٢٧٧.
(٧) انظر: المنتظم ١٨/ ٦٦، السير ٢٠/ ١٧٥، الوافي بالوفيَّات ٦/ ١١٨.
المقدمة / 23
* أبو بكر بن العربي المالكي المشهور محمَّد بن عبد الله بن محمَّد الأندلسي الإشبيلي، توفي سنة (٥٤٣) هـ (١).
* أبو الفتح نصر الله بن منصور بن سهل الجنزي الدويني، توفي سنة (٥٤٦) هـ (٢).
* أبو سعيد محمَّد بن يحيى بن منصور النيسابوري، توفي سنة (٥٤٨) هـ وقيل (٥٤٩) هـ (٣).
* أبو الفتح محمَّد بن الفضل بن علي المارشكي، توفي سنة (٥٤٩) هـ (٤).
* أبو العباس أحمد بن بختيار بن علي بن محمَّد المندائي القاضي، توفي سنة (٥٥٢) هـ (٥).
* أبو القاسم عمر بن محمَّد بن أحمد بن عكرمة الجزري الشافعي ابن البزري، توفي سنة (٥٦٠) هـ (٦).
* أبو سعيد، ويقال: أبو عبد الله محمَّد بن علي بن عبد الله بن أحمد بن حمدان الجاواني، توفي سنة (٥٦٠) هـ (٧).
_________
(١) وفيات الأعيان ٤/ ٢٩٦، السير ٢٠/ ١٩٧، البداية والنهاية ١٢/ ٢٤٥، الديباج المذهب ٢/ ٢٥٢.
(٢) انظر: طبقات السبكي ٧/ ٣٢٢، طبقات الأسنوي ١/ ٢٥٧.
(٣) انظر: تهذيب الأسماء واللغات ١/ ٩٥، طبقات ابن قاضي شهبة ١/ ٣٦٩، وراجع ص: ١٦٤.
(٤) انظر: طبقات السبكي ١٦/ ١٧٣، طبقات الأسنوي ٢/ ٢٣٧.
(٥) انظر: المنتظم ١٨/ ١٢٠، إتحاف السادة ١/ ٤٧.
(٦) انظر: وفيات الأعيان ٣/ ٤٤٤، طبقات السبكي ٧/ ٢٥١، طبقات الأسنوي ١/ ٢٥٧.
(٧) انظر: طبقات السبكي ٦/ ١٥٢، طبقات الأسنوي ١/ ١٨٠، إتحاف السادة ١/ ٤٤.
المقدمة / 24