============================================================
ومدة مرضه عشرة آيام، وفي كل ساعة يتقوى مرضه ويتضاعف ألمه وتضعف قوته وحركته ويثقل لسانه، وهو مع ذلك ثابت العقل، يتأوه ولا أن بالكلية، ثم تجده مع ذلك يكلم من كلمه ويسلم على من سلم عليه أو يشير له، فلما قرب أجله بثلاثة أيام دخلته سكرات الموت، فرجع يتأوه بالقهر ويميل يمينا
وشمالا فنظرت إليه وقد احمرت وجنتاه واشتذ نفشه وتقوى صعوده وهبوطه، فلم أملك صبرا على البكاء مما عاينت من شدة مقاساته وعظيم صبره على ذلك، ففارقته وظننت أنه لا يبقى تلك الليلة وكانت ليلة السبت، فبقي في النزع تلك الليلة والأحد إلى بعد العصر، فكان ابن أخيه يلقنه الشهادة مرة بعد مرة، فالتفت الشيخ له وقال بكلام ضعيف جدا: وهل ثم غيرها؟! يعني أنه - رضي الله تعالى عنه- ليس بغافل بقلبه في هذا الوقت وإن كنت لم أنطق بها اللسان، فحينئذ استبشروا بذلك وعرف الحاضرون أنه ثابت العقل ليس بغافل عن الله سبحانه، وكانت بنته هنا تقول له حينئذ: تمشي وتتركني؟ فقال لها: الجنة تجمعنا عن قريب إن شاء الله تعالى. وكانت في يده - رضي الله تعالى عنه - سبحة فلما اشتد مرضه سقطت السبحة من يده، فبقي كذلك ما شاء الله، ثم التفت إلى السبحة فلم يجدها في يده، فقال: مشت العبادة يا محمدا يعني نقسه.
وكان طلبه يقول عند موته : نسآله سبحانه أن يجعلنا وأحبتنا عند الموت ناطقين بكلمتي الشهادة، عالمين بها.
وتوفي تكماله ورضي عنه يوم الأحد بعد العصر، الثامن عشر من جمادى الآخرة من عام خمسة وتسعين بعد ثمان مائة (890ه)، وأخبرتني والدتي رحمها الله تعالى- عن بنت الشيخ فلنا أنها شمت رائحة المسك في البيت بنفس موت آبيها، وشمته أيضا في جسده، والله تعالى أعلم نسأله سبحانه أن يقدس روحه وأن يسكنه في أعالي الفردوس فسيحه، وأن يجعله ممن يتنعم في كل لحظة برؤية ذاته العلية العديمة النظير والمثال، وأن ينفعنا به في الدنيا والآخرة، وأن يجمعنا معه بفضله وكرمه في أعلى المنازل الفاخرة بجاه سيدنا ونبينا ومولانا محمد لة وعلى آله عدد خلقه ورضا نقسه وزنة عرشه ومداد كلماته" اه
Página 39