============================================================
شيء من إمدادنا في هذا العيش الدنيوي وإعانتنا، فنحن قد أغنانا مولانا تبارك وتعالى عن ذلك، ومن لم يقتنع في الدنيا بالقليل لم ينفعه منها الكثير، والعاقل من اغتنم كفايته ووقته الخالي لطاعة الله تعالى وأغرض عن المستقبل، إذ لعله لا يصل إليه، وإن وصل إليه فخزائن مولانا الكريم لا تبيد ولا تغيض، ثم الذي نعتقده أن تلك المدرسة لا حق لنا فيها اليوم إذ لسنا نعمرها بقراءة ولا سكنى ولا خدم لنا فيها بوجه، فمشاركتنا لذوي الحقوق فيها وتضييقنا عليهم بالأخذ معهم جؤر منا وحرص منا وتكاثر؛ إذ المقصود كفاية المهم الحالي، وقد حصلت والحمد لله تعالى، فلا حاجة لنا في أخذ شيء - ولو قذر حلالا محضا- من مدرسة ولا من بيت مال، وعلى تقدير أن يأتينا شيء من هذه الجهات فلا نقبله ولا يصفو لنا في الآخرة خيره، وكل عيش لا يسلم الانسان من تبعاته في الآخرة فهو فتنة وشر عظيم، وكل من في الدنيا ضيف عابر سبيل في سفره لا فترة معه إلى الآخرة وكان كل واحد منا قد حل في حفرته وانفجرت عليه بوابة الآخرة وأهوالها عن قريب، فلا يليق الاهتمام إلا بزاد الآخرة الذي لا نجاة إلا معه إلا بفضل الله تعالى، نسأل الله تعالى أن يوفقنا ويوفق أمير المؤمنين لصرف الهمة كلها لزاد الآخرة، وأن يمن على الجميع من الفوز برضاه دنيا وآخرة بالمنازل الفاخرة، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".
ثم قال الملالي معقبا: "فانظر يا أخي ما أحلى هذا الخطاب الذي لا يصدر إلا من مثله من أولي الألباب، وما احتوى عليه من حسن المواعظ والتزهيد في هذه الدنيا الحقيرة التي صارت عنده ظبه أهون وأحقر من الذباب".
الفصل العاشر: في جلمه.
قال الإمام السنوسي في شرحه على اسمه تعالى "الحليم": هو الذي يسامح عبده الجاني بترك المؤاخذة، مع استحقاقه لها، كرما منه- تبارك وتعالى-، وامهاله للعبد الجاني مع إصراره، فضلأ منه، ورعاية لحكمة ومصلحة في ذلك خفية لا يطلع عليها سواه. وحظ العبد منه: الاقتداء
Página 33